ج ١، ص : ٣٩
لما قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم مكة أتاه أصحاب الصليب الذين يجمعون الأوداك فقالوا : يا رسول اللّه، إنا نجمع هذه الأوداك «١» وهي من الميتة وغيرها، وإنما هي للأدم والسفن، فقال صلّى اللّه عليه وسلم :
«لعن اللّه اليهود، حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها» «٢» فبين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم : أن اللّه تعالى إذا حرم شيئا حرمه على الإطلاق، ودخل تحته تحريم البيع..
وذكر عن عطاء أنه قال : يدهن بشحوم الميتة ظهور السفن، وهذا قول شاذ، فظن أصحاب أبي حنيفة ان تحريم اللّه تعالى عين الميتة منع الانتفاع بالميتة من الوجوه كلها، ومنع بيعها، ويجوز بيع الأعيان النجسة غير الميتة، إذ التحريم فيها ليس مضافا إلى العين.
قال الشافعي رحمه اللّه : ينبغي من قوله (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) تحريم لبنها، وأبو حنيفة حكم بطهارة أنفحتها وألبانها، ولم يجعل لموضع الخلقة أثرا في تنجيس ما جاوره بما حدث فيه خلقة، قال :
ولذلك يؤكل اللحم بما فيه من العروق بمع القطع بمجاورة الدم لدواخلها من غير غسل ولا تطهير لها، فدل ذلك على أن موضع الخلقة لا ينجس بالمجاورة لما خلق فيه، ويلزمه على مساق هذا الحكم بطهارة ودك الميتة، فإن الموت لا يحله أصلا، ونجاسة الخلقة لا تؤثر فيما جاورها..
وله أن يقول : إن الودك في حكم الجزء الباقي معه، واللبن خلق خلقا ينفصل عن الأصل فيحتلب ويستخرج منه، ولو انفصل الودك من الجملة في حياة الجملة كان نجسا بخلاف اللبن، فإذا لم ينجس اللبن
(١) الأوداك : جمع ودك وهو دسم اللحم.
(٢) رواه ابن ماجة.