ج ١، ص : ٧٣
ذلك حتى نزل قوله تعالى :(مِنَ الْفَجْرِ)، فعلموا أنه إنما عنى بذلك الليل والنهار، ولا يجوز أن لا يكون في قوله (الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ) بيان للحكم مع الحاجة، فإن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز أصلا..
ويجوز أن يكون التجوز بالخيط الأبيض عن الفجر سائغا في لغة قريش دون غيرها من اللغات، فأشكل على قوم آخرين، حتى تبين لهم بقوله من الفجر، ولا يجب أن يكون البيان بلغة يشترك في معرفتها جميع الناس قبل أن يتبين لهم بلغة من كان بيانا في لغتهم..
ويجوز أن يكون قد قال :(مِنَ الْفَجْرِ) أولا، لكن قوله (مِنَ الْفَجْرِ) يحتمل أن يكون تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، على معنى أنه يتبين الخيطان من أجل الفجر، ويحتمل أن يكون المستبان في نفسه هو الفجر..
فإن قيل : كيف يشبه الليل بالخيط الأسود وهو يشتمل على جميع العالم، وقد علمنا أن الصبح إنما شبه بخيط مستطيل أو معترض في الأفق، أما الليل فليس بينه وبين الخيط مشاكلة؟..
الجواب : أن الخيط الأسود هو السواد الذي في المواضع «١» قبل ظهور الخيط الأبيض فيه، وهو في ذلك الموضع مساو للخيط الأبيض الذي يظهر بعده، فلأجل ذلك سمي الخيط الأسود، وإذا أباح اللّه الأكل والشرب إلى أن يتبين، فيدل ذلك على جواز الأكل قبل التبين حالة الشك.
(١) لعلها الموضع.