ج ١، ص : ٩٠
قوله تعالى (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) «١» الآية. ذكر بعض أهل اللغة أنه لا يقال في العدو «أحصرتم» وإنما يقال حصرتم «٢»، وهو كقوله حبسه إذا جعله في الحبس، وأحبسه أي عرضه للحبس، وقتله إذا أوقع به القتل، وأقتله إذا عرضه للقتل، وقبره إذا جعله في القبر، وأقبره عرضه للدفن في القبر، كذلك حصره حبسه وأوقع به الحصر، وأحصره عرضه للحصر.
فإذا كان كذلك، فالعدو إذا كان بعيدا منه على الطريق، فهذا هو التعريض للحصر، وهو متعرض به لأن ينحصر، وليس بمحصور في الحال ولا محبوسا، ولكنه معرض لذلك، فتقدير الآية :
فإن عرضتم للحبس والمنع، وإن لم يلحقكم في الحال حصر ولا منع، وذلك إنما يكون بالعدو، أما المريض فقد احتبس عليه المضي في الحال، فليس هو معرضا بل هو محصور في الحال، وقد حصره المرض ولذلك قال ابن عباس «٣» ذهب الحصر الآن.
وكذلك نزلت هذه الآية في شأن الحديبية، وما كان من حصر إلا العدو ولا يجوز أن لا يذكر سبب النزول ويذكر غيره، مما يدل على العدو بطريق الاستنباط والدلالة..
(١) في لسان العرب «الإحصار» : أن يحصر الحاج عن بلوغ المناسك بمرض أو نحوه. وهو في اللغة المنع والحبس، يقال حصره عن السفر، وأحصره عنه إذا حبسه ومنعه.
(٢) يقول الفراء : العرب تقول للذي يمنعه خوف أو مرض من الوصول الى تمام حجته أو عمرته : قد أحصر، وفي الحبس إذا حبسه سلطان أو قاهر مانع : قد حصر.
وقال الأزهري وأبو عبيدة «حصر الرجل في الحبس، وأحصر في السفر من مرض أو انقطاع به».
(٣) روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : لأحصر الا حصر العدو، فأما من أصابه مرض أو وجع أو ضلال فليس عليه شيء (تفسير ابن كثير).