ج ٢، ص : ٢٨٠
ولأنهم إذا منعوا تأويل المتشابه، ووجب اتباع الظاهر، تناقضت الظواهر ووقعت الأحكام العقلية والسمعية، وهؤلاء الذين ينظرون إلى هذا الظاهر، أو لا ينظرون إلى ظاهر الواو في دلالته على الجمع المذكور» ولم يحلوا ذلك على الابتداء وقطع المعطوف عليه، وذلك خلاف ظاهر دلالة الواو وهذا بين».
فأما قوله تعالى :(فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ، ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ)، فمثل ما روي عن الربيع بن أنس، أن هذه الآية نزلت في وفد «١» نجران لما حاجوا النبي صلّى اللّه عليه وسلم في المسيح فقالوا :
أليس هو كلمة اللّه وروح منه؟
فقال : بلى.
فقالوا : حسنا، أي أنا لا نسمع منك بعد هذا قولك إنه عبد اللّه، بعد أن قلت إنه روح اللّه، فنزل قوله تعالى :
(فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ) «٢».
(١) أخرج ابن أبي حاتم عن الربيع أن النصارى أتوا الى النبي صلّى اللّه عليه وسلم فخاصموه في عيسى، فأنزل اللّه :(الم اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ). الى بضع وثمانين آية منها.
أنظر أيضا أسباب النزول للواحدي/ ٩٠ - ٩١.
(٢) أي انما يأخذون منه بالمتشابه الذي يمكنهم أن يحرفوه الى مقاصدهم الفاسدة وينزلوه عليها لاحتمال لفظه لما يصرفونه، فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه لأنه دافع لهم وحجة عليهم، ولهذا قال الله تعالى (ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ) أي الإضلال لأتباعم إيهاما لهم أنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن، وهو حجة عليهم لا لهم. (وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ) أي تحريفه على ما يريدون.