ج ٢، ص : ٢٩٢
والآية في ذلك أن قدميه دخلتا في حجر صلد بقدرة اللّه عز وجل، ليكون ذلك آية ودلالة على توحيد اللّه، وصدق نبوة إبراهيم.
ومن الآية فيه : إمحاق الأحجار في موضع الرمي «١».
وامتناع الطير من العلو عليه، وإنما يطير حوله لا فوقه :
وتعجيل العقوبة لمن انتهك حرمته - وقد كانت العادة جارية بذلك - ومن جملة ذلك : هلاك أصحاب الفيل.
فقال الشافعي : لما ذكر اللّه تعالى أن فيها آيات بينات جعل من جملتها :«أن من دخله كان آمنا»، وأن ذلك كان من الآيات في أن اللّه تعالى جعل لذلك الموضع هيبة ووقارا وعظمة في نفوس المفسدين المتمردين، كما قال تعالى :
(فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ) «٢» بأن يجبي اليه ثمرات كل شيء وهو بواد غير ذي زرع، (وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ).
وقال :(أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً) «٣».
فقوله :(كانَ آمِناً) : مرتبا على ذكر الآيات، ظاهر في كونه خبرا عن شيء كان، وذلك لا يدل على أن من عصى اللّه تعالى، والتزم حد اللّه تعظيما لأمر اللّه وإجلالا لدينه، فهرب مما وجب، وصاحب الشرع يحرم عليه الالتجاء إلى الحرم، فإنه أمر تسليم النفس لحق اللّه تعالى، أنه يكون آمنا.
(١) أي زوال الأحجار من مواضع الرمي، على كثرة الرمي من لدن ابراهيم عليه السلام الى يومنا هذا، مع أن حصى الجمار إنما تنقل الى موضع من غيره.
(٢) سورة قريش آية ٣ - ٤.
(٣) سورة القصص آية ٥٧، أنظر الجصاص ج ٢ ص ٣٠٤.