ج ٢، ص : ٣٧٠
قد أوصى بوصية، ولأن قضاء الدين من التركة كان مشهورا، ولعل الحاجة إلى بيان الوصية كان أكثر وأظهر، وعن علي رضي اللّه عنه قال :
قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم بالدين قبل الوصية وأنتم تقرءونها من بعد وصية يوصى بها أو دين «١».
واعلم أن قوله تعالى :(مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ)، لا يقتضي اختصاص الوصية ببعض المال، كما لا يقتضي ذلك في الدين، إذ ظاهره العموم، إلا أن الخبر الصحيح ورد عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه، قال : مرض أبي مرضا شديدا أشفى «٢» منه، فعاده رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فقال : يا رسول اللّه إن لي مالا كثيرا وليس يرثني إلا كلاله، أفأتصدق بالثلثين؟ قال : لا. قال : فالشطر؟ قال : لا. قال : فالثلث؟
قال : الثلث والثلث كثير، إنك أن تترك ورثتك أغنياء، خير من أن تدعهم عالة يتكففون وجوه الناس، وإنك إن تنفق نفقة إلا أجرت فيها، حتى اللقمة ترفعها إلى فيّ امرأتك. فقلت : يا رسول اللّه، أتخلف عن هجرتي؟ قال : لن تخلف بعدي، فتعمل عملا تريد به وجه اللّه تعالى، إلا تزداد رفعة ودرجة، لعلك أن تخلف فينتفع بك أقوام ويضرّ بك أقوام آخرون، ثم قال : اللهم امض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم «٣» لكن البائس سعد بن خولة يرثي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أن مات بمكة.
فدل الخبر على أن الزيادة على الثلث غير جائزة، فإن النقصان عن الثلث مستحب.
(١) رواه أحمد والترمذي وابن ماجة.
(٢) أشفى : أشرف.
(٣) أخرجه مالك والطيالسي وابن أبي شيبة وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن خزيمة وابن الجارود وابن حيان.