ج ٣، ص : ٢٤
اعلم أن في ظاهر الآية وقفة للمتأمل، فإن اللّه تعالى قال : يسئلونك ما ذا أحل لهم - ثم قال في الجواب - قل أحل لكم الطيبات وما علمتم، ... فيقتضي أن يكون الحل المسئول عنه متناولا للمعلم من الجوارح المتكلبين، وذلك ليس مذهبا لنا ولا لأحد، فإن الذي يبيح لحم الكلب إن صح ذلك عن مالك، فلا يخصص الإباحة بالمعلم، فقل هذا في الكلام حذف وتقديره : قل أحل لكم الطيبات - ومن جملته - صيد ما علمتم من الجوارح.
ويدل عليه ما روي عن عدي بن حاتم قال : لما سألت رسول اللّه عن صيد الكلب، لم يدر ما يقول حتى نزلت :(وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ).
وذكر بعض من صنف في أحكام القرآن «١»، ما يدل على أن الآية تناولت ما علمنا من الجوارح، وهو ينتظم الكلب وسائر جوارح الطير، وذلك يوجب إباحة سائر الانتفاع، فدل على جواز بيع الكلب والجوارح والانتفاع بها بسائر وجوه المنافع، إلا ما خصه الدليل وهو الأكل، وهذا في غاية البعد عن الحق.
فإن قول اللّه تعالى :(يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ) لم يتناول السؤال عن وجوه الانتفاع بالأعيان في البياعات والهبات والإجارات، فإنه لو كان كذلك، لم يكن جوابه ذكر الطيبات وما علمتم من الجوارح، ثم يقول في مساق ذلك :(فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ)، ولا يتعرض لسائر وجوه الانتفاع، من البيع والهبة.
يدل على ذلك أن السؤال إنما يتناول الأكل فقط، والجواب كان عن ذلك، وكيف ينتظم في الكلام أن يسأل عما ينتفع به من الأشياء،
(١) مثل القرطبي والشافعي والجصاص وابن عربي والصابوني.