ج ٣، ص : ٦٢
وبالجملة لو جاز الإمساك عنه حتى يقتل من أراد قتله، لوجب مثله في المحظورات كلها، فيكون في ذلك ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واستيلاء الفساق والظلمة.
والذي يخالف ذلك يقول : ذلك إذا كان الأمر بالمعروف غير مؤد إلى قتل وشهر سلاح، فأما إذا كان يؤدي إلى ذلك فلا، ويفوض المقتول أمره إلى اللّه عز وجل، إذا كان يعلم أنه لو كان وجه دفعه بأسهل شيء من غير أن يخشى على نفسه فلا يجوز، فأما إذا كان الأمر على الخطر واحتمال أن يقتلا جميعا، فهو موضع الاحتمال وترديد القول.
قوله تعالى :(فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) «١» :
فيه بيان أن كل ندم ليس بتوبة، وأن ابن آدم القاتل لم يندم على وجه القربة إلى اللّه تعالى وخوف عقابه، وإنما كان ندمه من حيث اتقى جانب أبويه وذويه، واستوحش منهم، ولم يهنه ما فعله في دنياه، وانتبذ بعيدا عنهم، فندم لذلك، ولو ندم على وجه التوبة لأوشك أن يقبل اللّه تعالى منه ذلك.
وقد قيل : يجوز ألا يقبل اللّه توبة من شاء، فإن قبول التوبة عند أهل السنة ليس واجبا على اللّه تعالى بقضية العقل، وإنما المشيئة للّه تعالى في قبول توبة من شاء، فيجوز أن يقال إن قابيل ممن لم يسأل اللّه تعالى قبول توبته، وإن وجدت منه التوبة حقيقة.
قوله تعالى :(مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ)، الآية ٣٢ :
فيها إبانة عن المعنى الذي لأجله كتب على بني إسرائيل ما كتب مما
(١) سورة المائدة ٣١.