ج ٣، ص : ٦٤
وتجوز المباينة عليه والمفارقة، وذلك منه عن وجه المبالغة في إظهار المخالفة، وكان يجوز أن يسمى كل عاص بهذا الاسم، ولكن لم يرد ذلك.
ويجوز أن يكون معناه يحاربون أولياء اللّه ورسوله وهذا أولى، فإن الذي يحارب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم كافر، وقاطع الطريق ليس بكافر، وكأنه يريد بهذه الاضافة تعظيم المخالفة، وإكبار قدر المعصية، وقد ورد في التهديد ألفاظ تشاكل ذلك، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم :
«اليسير من الرياء شرك».
«من عادى أولياء اللّه فقد بارز اللّه بالمحاربة» «١».
وقوله عليه السلام لعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهما السلام :
«أنا حرب لمن حاربتم، سلم لمن سالمتم» «٢».
وإنما حملنا على هذا التأويل، علمنا بأن الآية وردت في حق قطاع الطريق من المسلمين، ولذلك قال اللّه تعالى :
(إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) «٣».
ومعلوم أن الكفار لا يختلف حظهم في زوال العقوبة عنهم بالتوبة بعد القدرة، كما تسقط قبل القدرة، فالمرتد يستحق القتل بنفس الردة دون المحاربة، والمذكور في الآية من لم يستحق القتل.
وفي الآية نفي من لم يتب قبل القدرة، والمرتد لا ينفى، فعلمنا أن الآية حكمها جار في أهل الملة.
والمرتد لا تقطع يده ورجله ويخلى سبيله بل يقتل، ولا يصلب أيضا، فدل ذلك على أن ما اشتملت عليه الآية ما عنى به المرتد.
(١) أخرجه ابن ماجة، والحاكم، والبيهقي، عن معاذ.
(٢) أخرجه ابن ماجة في سننه ج ١ ص ٥٢، رقم الحديث ١٤٥.
(٣) سورة المائدة آية ٣٤.