ج ٣، ص : ٧٠
وقوله :(إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ)، مفتقر في صحة إلى ما قبله، فوجب تعليقه عليه.
ثم إذا استقل الاستثناء باقتضاء إسقاط ما اختص بقطع الطريق، لم يحتج إلى تعليقه بغيره، فلا جرم كان ما يتعلق بالمذهب، أن ما يتعلق بحق الآدمي قصاصا كان أو غرما، لا يسقط بالتوبة قبل القدرة عليه.
ولما كان قوله :(يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً)، على ما في الصحراء أو البلد، استوى حكم قطع الطريق في البلد والمصر جميعا، ومن فرق فإنما يفرق لا بحكم اللفظ، بل بمعنى يتوهمه فارقا وهو غالط فيه.
ولما ثبت للشافعي أن الحكم ليس متعلقا بمجرد الفساد في الأرض، ولا بمجرد قطع الطريق، لكن تفاوت العقوبات على حسب تفاوت الجرائم، فالردء المعاون في قطع الطريق، لا يلزمه عقوبة من باشر القتل وأخذ المال، وتقدير الكلام : يقتلوا إن قتلوا، أو يصلبوا ان قتلوا وأخذوا المال، فليس لمن لم يفعل من ذلك شيئا أن يدخل في جملتهم «١».
قوله تعالى :(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) «٢».
واعلم أن السرقة في العرف واللغة، اختزال شيء على سبيل الخفية ومسارقة الأعين، وقد ورد في بعض الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم أنه قال :
«إن أسوأ الناس سرقة هو الذي يسرق صلاته».
قيل يا رسول اللّه كيف يسرق صلاته؟ قال : لا يتم ركوعها وسجودها.
إلا أنه ليس سارقا من حيث موضع الاشتقاق، فإنه ليس فيه مسارقة الأعين غالبا.
(١) انظر روائع البيان ج ١. [.....]
(٢) سورة المائدة آية ٣٨.