ج ٤، ص : ٢٥٧
وهذا الخطاب لغير النبي عليه الصلاة والسلام، فإنه صلّى اللّه عليه وسلّم لم يكن يدخر شيئا لغد، وكان يجوع حتى يشد الحجر على بطنه.
وقد كان كثير من فضلاء أصحابه ينفقون في سبيل اللّه جميع أملاكهم، فلم يعنفهم النبي عليه الصلاة والسلام، ولم ينكر عليهم لصحة يقينهم وشدة بصائرهم.
وإنما نهى اللّه تعالى عن الأفراط في الإنفاق، وإخراج جميع ما احتوت عليه يده من المال، من خيف عليه الحسرة على ما خرج من يده، فأما من وثق بموعود اللّه تعالى وجزيل ثوابه فيما أنفقه فغير مراد بالآية.
وقد روي أن رجلا أتى إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فسلم إليه مثل بيضة من ذهب، فقال : يا رسول اللّه، أصبت هذه من معدن واللّه ما أملك غيرها، فأعرض عنه، فعاد ثانيا فأعرض عنه، فعاد ثالثا فأخذها النبي عليه الصلاة والسلام ورماه بها لو أصابته لعقرته، وقال :«يأتيني أحدكم بجميع ما يملكه ثم يقعد ويتكفف وجوه الناس» «١».
وكان أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه ذا مال كثير، فأنفق جميع ماله على النبي عليه الصلاة والسلام، وفي سبيل اللّه، حتى بقي في عباءة، فلم يعنفه النبي عليه الصلاة والسلام ولم ينكر عليه.
فكل ذلك يدل على أن ذلك ليس بمخاطبة للنبي عليه الصلاة والسلام، وإنما خوطب به غيره مثل قوله تعالى :
(لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) «٢».
(فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ) «٣».

__
(١) أخرجه الامام أحمد في مسنده والبيهقي في الشطب.
(٢) سورة الزمر آية ٦٥.
(٣) سورة يونس آية ٩٤. [.....]


الصفحة التالية
Icon