ج ٤، ص : ٢٧٠
ولأنه جمع وراثته إلى وراثة آل يعقوب، ومعلوم أن ولد زكريا لا يرثهم.
فإن قيل : كيف أقدم على مسألة ما يخرق العادة من غير إذن!؟
الجواب : أن ذلك جائز، في زمان الأنبياء، وفي القرآن ما كشف عن هذا المعنى، فإنه قال تعالى :
(كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ : هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) «١».
فلما رأى خارق العادة استحكم طمعه في إجابة دعوته، فقال تعالى :
(هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً) «٢».
قوله تعالى :(إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا)، الآية/ ٥٨.
فيه دلالة على أن لتلاوة آيات الرحمن تأثيرا، فقال الحسن : إذ تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا : في الصلاة.
وقال الأصم : المراد بآيات اللّه كتبه المتضمنة لتوحيده وحجته، وأنهم كانوا يسجدون عند تلاوتها، ويبكون عند ذكرها.
والمروي عن ابن عباس، أن المراد به القرآن، خاصة وأنهم كانوا يسجدون عند تلاوته ويبكون، ففي ذلك دلالة من قوله على أن القرآن هو الذي كان يتلى على جميع الأنبياء، ولو كان كذلك لما كان الرسول صلى اللّه عليه وسلم مختصا بإنزاله عليه.
(١) سورة آل عمران آية ٣٧.
(٢) سورة آل عمران آية ٣٨.