إليه مع علمهم أنه لا قراءة له ولا رواية، والمقصود تحقيق كون الإخبار بهذه القصة وغيرها عن وحي على سبيل التهكم بمنكريه كأنه قيل: إن رسولنا أخبركم بما لا سبيل إلى معرفته بالعقل مع اعترافكم بأنه لم يسمعه ولم يقرأه في كتاب، وتنكرون أنه وحي فلم يبق مع هذا ما يحتاج إلى النفي سوى المشاهدة التي هي أظهر الأمور انتفاء لاستحالتها المعلومة عند جميع العقلاء ونظيره في قصة موسى ﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيّ﴾ ١ ﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّور﴾ ٢ وفي قصة يوسف ﴿وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ﴾ ٣ ٤.
وبعد:
فلعلك تلاحظ أن ما قدمتُه ليس إلا إشارات سريعة لبحر واسع، لعلم طريف، كل جزء منه يحتاج إلى وقفة طويلة، بل وقفات ننظر فيها، ونتفكر، ونتأمل ونتدبر، هذا البناء المتماسك، والصرح العظيم، الذي لا نرى فيه عوجا ولا أَمْتَا، ما أجمله، وما أبدعه، وما أعظمه، ذلكم أنه كلام العزيز الخبير الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
وإنها لدعوة أوجهها إلى من آتاه الله علما واسعا وفهما ثاقبا في البلاغة وأسرارها أن يخوض عباب هذا البحر فيستخرج لنا من كنوزه ويكشف لنا عن درر من درره ويكفي هذا البحث شرف هذه الدعوة والله المستعان.
٢ سورة القصص: الآية ٤٦.
٣ سورة يوسفْ: الآية ١٠٢.
٤ روح المعاني. للآلوسي ج٣ ص ١٥٨. وانظر الكشاف: ج١ ص ١٨٩. والبحر المحيط: ج٢ ص ٤٥٨. ومسائل الرازي: ص ٣٢. وفتح الرحمن: ٨٨.