ج ١، ص : ٢٢٣
أما المناسبة :
فبعد ما أثبت القرآن أن الأمر بيد اللّه وأنه المعطى والمانع، وأنه على كل شيء قدير.
فيجب الالتجاء إليه وحده، وإذا كانت العزة للّه ولرسوله وللمؤمنين فمن الخطأ الالتجاء إلى غير أوليائه.
المعنى :
يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء تلقون إليهم بالمودة وتسرون إليهم بأسراركم مؤثرين مصلحة الكفار على مصلحة المؤمنين، وإن كان في ذلك مصلحة جزئية فمصلحة المسلمين العامة أولى وأحق لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ [المجادلة ٢٢] ومن يفعل ذلك ويوالى الكافرين من دون المؤمنين فيعمل ضد مصلحتهم من حيث كونهم مؤمنين، أى : يكون جاسوسا مخلصا للكفار، فليس من ولاية اللّه في شيء، أى : يكون بينه وبين اللّه غاية البعد مطرودا من رحمته، ومن يتولهم منكم فإنه منهم.
إذن موالاة الكافرين أمر ينفر منه الشرع ولا يقره الدين في حال من الأحوال إلا في حال أن تخافوا منهم أمرا يجب اتقاؤه كالقتل مثلا، وهذا إذا كنت في دارهم فدارهم باللسان فقط إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ [سورة النحل آية ١٠٦].
ويحذركم اللّه عقابه، وفي ذكر (نفسه) إشارة إلى أن الوعيد صادر من ذاته ونفسه وهو القادر على كل شيء وإلى اللّه المصير والمرجع.
قل لهم يا محمد : إن تخفوا ما في صدوركم وتكتموه أو تبدوه وتظهروه فاللّه يعلمه ويجازى عليه وهو يعلم ما في السموات لأنه يعلم بذات الصدور ومنها الميل إلى الكفار أو البعد عنهم، واللّه على كل شيء قدير.
واحذروا يوم تجد كل نفس ما عملت في الدنيا من خير مهما قل أو كثر وما عملت من شر مهما صغر أو كبر حاضرا أمامها تأخذ جزاءه وفائدته أو يحلق بها ضرره وخطره فإن كان العمل خيرا سرت له وتلقته باليمين، وإن كان شرا ودت لو يكون بينها وبين عملها بعد ما بين المشرقين، ولكن أين لها هذا ؟


الصفحة التالية
Icon