ج ١، ص : ٢٦١
ومن يعتصم باللّه وبكتابه ورسوله فقد تحققت هدايته، لا يضل أبدا ولا يخشى عليه من المهالك أصلا.
يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه اتقاء حقا وأدوا واجب التقوى الذي يطلب منكم فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [سورة التغابن آية ١٦] على معنى : بالغوا في التقوى وأدوها كاملة حتى لا تتركوا من المستطاع شيئا.
ولا تموتن إلا ونفوسكم مخلصة للّه، أى : لا تكوننّ على حال سوى الإسلام إذا أدرككم الموت.
وتمسكوا بكتاب اللّه وعهده واعتصموا بحبله جميعا ولا تفرقوا عنه أبدا فإن الداء العضال داء الفرقة والانحلال.
وفي الآية تمثيل الاستيثاق بالعهد أو القرآن والوثوق بحمايته، باستمساك المتدلى من مكان مرتفع بحبل متين وثيق يأمن انقطاعه.
وحبل اللّه هو الإيمان والطاعة، أو القرآن
لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم :« القرآن حبل اللّه المتين، لا تنقضي عجائبه ولا يخلق من كثرة الرد، من قال به صدق ومن عمل به رشد ومن اعتصم به فقد هدى إلى صراط مستقيم ».
وقد كان العرب الجاهليون في حروب مستعرة وعداوات وإحن خاصة الأوس والخزرج، فلما جاء الإسلام ودخلوا فيه أفواجا، سل من قلوبهم سخائم الحقد وطهر أرواحهم من نكد العداوة، وأصبحوا بنعمة اللّه إخوانا متحابين متعاطفين يؤثرون غيرهم على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة يدينون بمبدأ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [سورة الحجرات آية ١٠] وبالحديث :« مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادّهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ».
وكانوا على شفا حفرة من النار فأنقذهم منها نعم كان العرب على حافة حفرة من النار بسبب شركهم ووثنيتهم لا يفصلهم عن النار إلا الموت فأنقذهم اللّه بالإسلام والتوحيد : وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها [سورة إبراهيم آية ٣٤].
مثل هذا البيان القيم والتوجيه السديد يبين اللّه آياته لكم، وهو في هذا البيان كالذي يرجو منكم الهداية والسداد لعلكم تهتدون.


الصفحة التالية
Icon