ج ١، ص : ٢٦٨
المناسبة :
لما وصف أهل الكتاب بأن منهم المؤمنين، ومنهم الفاسقين ثم بين حالهم ومآلهم خاصة اليهود، كان من العدل أن يبين حال المؤمنين منهم وإن كانوا قلة.
المعنى :
ليس أهل الكتاب متساوين في أصل الاتصاف بالقبائح، بل منهم من تقدمت صفته. ومنهم أمة مستقيمة على طاعة اللّه، ثابتة على أمره، من صفاتهم أنهم يتلون آيات اللّه ويقرءون القرآن خاصة في ساعات الليل وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (٧٨ الإسراء).
ففي صلاة الليل والتهجد يكثرون من قراءة القرآن وحدهم، حيث ينام الكون كله وحارسه لا ينام - سبحانه وتعالى - وهم يؤمنون باللّه واليوم الآخر إيمانا صادقا خالصا لا شبهة فيه ولا نفاق معه، إيمانا بكل ما يجب الإيمان به.
فهم قد كملوا أنفسهم بالقرآن وتلاوته، والإيمان وحلاوته، ثم أرادوا لسمو أنفسهم وطهارة ضميرهم أن يكملوا غيرهم بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ويبادروا إلى فعل الخيرات بسرعة وبلا إمهال، وهكذا شأن المؤمنين أمثال عبد اللّه بن سلام ومن على شاكلته، أولئك عند اللّه من الصالحين الذين صلح حالهم وعلت درجاتهم.
وفي هذا رد على اليهود حيث زعموا أن من آمن منهم هم شرارهم لا خيارهم، إذ لو كان فيهم خير لما آمنوا.
وما يفعلون من الطاعات فلن يحرموا ثوابه، ولن يمنعوا جزاءه. واللّه شكور عليم بالمتقين، فلن ينسى ولا يهمل، وليس ممن يجهل الجزاء، وهو القادر على كل شيء، البصير بكل عمل.


الصفحة التالية
Icon