ج ١، ص : ٣٥٢
وهل يليق بمن اتصف بالإيمان وخالط قلبه بشاشته أن يفعل الإيذاء خاصة مع من أفضى إليها وعاشرها معاشرة الأزواج لأجل المال أو العتاد ؟ تاللّه إن هذا لا يليق أبدا.
ما دامت المرأة في طاعته وتحفظ فراشه وتقوم بخدمته، فإذا نشزن عن طاعتك وساءت عشرتهن ولم ينفع معها النصح أو التأديب أو ظهر - والعياذ باللّه - أنها ارتكبت فاحشة كالزنا أو السرقة أو نحوها من الأمور الممقوتة شرعا وعرفا فلكم حينئذ أن تعاكسوهن وتعضلوهن لتذهبوا ببعض ما أعطيتموه لهن من المال والصداق، وإنما شرط في الفاحشة أن تكون ظاهرة فاضحة لئلا يستغل هذا بعض ضعاف النفوس من الرجال فيرمى المرأة العفيفة بشيء لمجرد الظن فقط، وإنما أبيح للرجل التضييق على المرأة التي تأتى بالفاحشة خشية أن يستغل بعض النساء هذا فيفحشن في القول والفعل حتى يطلقها زوجها فتتاجر بالمال والصداق مع كل رجل.
ويا أيها المؤمنون عاشروا نساءكم بالمعروف وخالطوهن بما تألفه الطباع السليمة ولا ينكره الشرع ولا العرف من غير تضييق في النفقة ولا إسراف، وفي كلمة المعاشرة معنى المشاركة والمساواة، أى : كلّ يعاشر صديقه من جانبه بالمعروف معرضا عن الهفوات جالبا للسرور معينا على الشدائد حافظا للود وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً « ١ » فإن كرهتموهن لعيب خلقي أو دمامة في خلقتهن أو تقصير أو مرض أو لهوى في نفوسكم فاصبروا ولا تتعجلوا، فعسى أن تكرهوا شيئا وفيه الخير الكثير لكم، ومن يدرى ؟ إن هذه الدميمة تكون أم الأولاد النجباء وربة البيت الأمينة المحافظة المقتصدة الصبور المعينة لك في السراء والضراء، والحوادث تثبت أكثر من هذا، فالصبر الصبر أيها المؤمنون، وحسن المعاشرة وإن أردتم استبدال زوج جديد مكان زوج سابقة كرهتموها وهي لم تأت بفاحشة ظاهرة وقد كنتم آتيتموها المال الكثير قبل ذلك، فلا تأخذوا من هذا المال شيئا لأنها لم ترتكب ذنبا تستحق أن يؤخذ منها المال وإرادة الاستبدال ليست شرطا في عدم حلّ الأخذ بل هو الكثير الغالب.
وكيف تأخذونه وتستسيغون ذلك بعد أن تأكدت بينكم رابطة الزوجية بأقوى رباط حيوي وباشر كل منكم الآخر ولابسه ملابسة يتكون منها الولد، واطلع على ما لم يطلع عليه أب أو أخ ؟ ! إن هذا الشيء عجيب، أتأخذونه بالبهتان آثمين وقد أفضى
(١) سورة الروم آية ٢١.