ج ١، ص : ٣٨١
المناسبة :
بعد ذكر هذه الأحكام العامة المتعلقة بالفرد والجماعة، أراد القرآن الكريم أن يرشدنا إلى خطر تركها أو العمل ببعضها، بالكلام على الأمم السابقة الذين أوتوا الكتاب فنسوا حظا منه وعملوا ببعض ما فيه فكان الخطر عليهم إذ اللّه بهم وبنا محيط.
المعنى :
ألم ينته علمك أيها المخاطب إلى الذين أوتوا جزءا من التوراة، وأما بقية الكتاب فلإهمالهم أمر التدوين والحفظ ضاع شيء منه. وبتلبيس رجال الدين وإنقاصهم منه تبعا لأهوائهم وتحريفهم ضاع جزء آخر، ولذا وصفهم القرآن بأنهم أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ وبقوله : فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وأما قوله في موضع آخر :
أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ فلتسجيل تقصيرهم، وقيل : المراد جنس الكتاب.
ألم تر إلى الذين أوتوا جزءا من الكتاب، يستبدلون الضلالة بالهدى ويأخذون الكفر بدل الإيمان، ويريدون منكم أن تضلوا معهم الطريق المستقيم، واللّه أعلم بأعدائكم أيها المؤمنون، فامتثلوا أمره، واحذروا أعداءكم من أهل الكتاب وكفى باللّه وليّا يتولى أمركم، وكفى به نصيرا ينصركم إن نصرتموه كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ
ثم بين اللّه الذين أوتوا نصيبا من الكتاب وهم أعداؤنا فقال : من الذين هادوا نعم منهم قوم يحرفون الكلم الذي أنزله اللّه عليهم في التوراة عن مواضعه الأصلية بأن يزيلوه عن مواضعه أصلا أو يضعوه في غير مكانه، وقيل : المراد يحرفونه عن معناه، فيفسرونه بغير المراد تضليلا للناس وتلبيسا عليهم، وقد فعل اليهود كل ذلك، فغيروا وصف النبي صلّى اللّه عليه وسلّم والبشارة به وفسروا الكلام بغير معناه كما في آية الرجم.
وهم يقولون للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم : سمعنا وعصينا، بدل قولهم : سمعنا وأطعنا.
وكانوا يقولون حسدا وحقدا على النبي صلّى اللّه عليه وسلّم واسمع غير مسموع لك دعاؤك أو غير مقبول منك، ويحتمل واسمع غير سامع مكروها كما يقال : واسمع لا سمعت مكروها، كانوا يخاطبون به النبي صلّى اللّه عليه وسلّم استهزاء مظهرين إرادة المعنى الأخير وهم مضمرون في أنفسهم المعنى الأول.


الصفحة التالية
Icon