ج ١، ص : ٣٨٦
وعلينا نحن المسلمين ألا ندع لهذا الداء طريقا إلى قلوبنا أبدا وألا نغتر بأننا أمة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم وكتابنا خير كتاب، ونبينا خاتم الأنبياء وأننا الأمة الوسط، لا : اعملوا فسيرى اللّه أعمالكم :
« اعملي يا فاطمة فلن أغنى عنك من اللّه شيئا ».
انظروا أيها المسلمون كيف يختلقون على اللّه الكذب في دعواهم وتزكيتهم أنفسهم، وكفى بهذا الافتراء على اللّه إثما مبينا واضحا.
روى عن عكرمة : أن كعب بن الأشرف انطلق إلى المشركين في مكة يؤلبهم على النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يأمرهم أن يغزوه قائلا : إنا معكم نقاتله فقالوا : إنكم أهل كتاب مثله ولا نأمن أن يكون هذا مكرا منكم، فإن أردت أن تخرج معنا فاسجد لهذين الصنمين فسجد. ثم قالوا : نحن أهدى أم محمد ؟ فنحن ننحر الكوماء (الناقة الضخمة) ونسقى الحاج، ونقرى الضيف، ومحمد قطع رحمه، وخرج من بلده ؟ فقال : بل أنتم أهدى سبيلا، فنزلت تلك الآيات.
ألم ينته علمك إلى أولئك الذين أوتوا نصيبا من الكتاب ومع هذا يؤمنون بالأصنام والطاغوت ويقولون في شأن الذين آمنوا للذين كفروا أى من أجل مخالفتهم : هؤلاء الكفار الجاهليون أهدى من الذين آمنوا سبيلا وأقوم طريقا، يا عجبا كل العجب :
يقول أصحاب الكتاب والرسل لمن لهم كتاب ورسول مصدق لما معهم مؤيد بكتبهم مبشر به عندهم مثل هذا القول.
أولئك الذين قضى عليهم اللّه بالطرد من الرحمة بسبب كفرهم وعصيانهم ومن يلعن اللّه فلن تجد له نصيرا أبدا.
بل ليس لهم نصيب من الملك ولو كان لهم نصيب منه فرضا، فهم لا يؤتون غيرهم من الناس أحقر شيء وأبسطه، وصدق اللّه فهم كذلك في حكمهم الزائل بفلسطين، وما ذلك إلا لأنهم أنانيون مطبوعون على الأثرة وحب المادة والغرور الكاذب بأنه ليس أحد غيرهم يستحق شيئا.
بل هم يحسدون الناس كمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم على ما آتاه اللّه من فضله كالنبوة والكتاب والحكمة، ولا غرابة في هذا فقد آتى اللّه آل إبراهيم الكتاب والحكمة والنبوة وآتيناهم ملكا عظيما، والعرب من ولد إسماعيل بن إبراهيم، واليهود من ولد إسحاق بن إبراهيم.