ج ١، ص : ٥

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.
أما بعد :
فقد سعد كثيرون من القدامى والمحدثين بالتصدى للكشف عما في الكتاب الكريم من معان وأسرار بلغت الذروة في الكمال ونحا كل منهم نحوا يغاير الآخر : فمن باحث عن الوجوه البلاغية إلى مفصل للأحكام الشرعية إلى ذكر بدائع لغوية وتراكيب تأخذ بالألباب، إلى محدث عن القراءات ووجوهها، إلى غير ذلك مما لا يكاد يحيط به الحصر، أطال هؤلاء الأعلام حتى كان كلامهم مراجع وموسوعات، كالفخر والشهاب والآلوسي والطبري والقرطبي، فموسوعاتهم هذه لا تغيث من يرغب أن يعرف ما يريده إن لم يكن ملما بقدر كبير من اللغة والأدب والأحكام والاصطلاحات العلمية، ومنهم من اتجه ناحية الإيجاز والاختصار فكان كلامه أشبه بالبرقيات حتى أنه قد يترك ربط الآية ومناسبتها وما تمس إليه الحاجة كالشيخين الجليلين المحلى والسيوطي ومن ألف إلفهما.
وهؤلاء الأعلام - رضى اللّه عنهم - أقل ما نقوله فيهم أن اللّه أيدهم بروح من عنده حتى يسهل فهم كلامه، وغاية ما نصل إليه أن نفهم كلامهم ونقف على إشاراتهم، وسبحان من اتصف بالكمال.
والشيء الجديد في هذا العصر كثرة التعليم والمتعلمين، وتشعب أنواع تعليمهم فأدى هذا إلى أمرين :
أولهما : تشعب البحوث من هؤلاء في علاقة الناس بعضهم ببعض حتى كثر الخلاف بين الناس في تفهم القانون الذي وضعوه، ولا نزال نرى ونسمع أنهم اجتمعوا ليغيروا ويبدلوا، ثم لا يمر عام أو بعض عام حتى يعيدوا الكرة فيزيدوا وينقصوا والأمر في ذلك الخلاف أشبه شيء بالبديهيات.


الصفحة التالية
Icon