ج ١، ص : ٥١٥
يا رسول اللّه، وانظر إلى تكريم اللّه له فإنه ينادى الأنبياء بأسمائهم وما ناداه باسمه قط.
يا أيها الرسول : لا يهمنك أمر الذين يسرعون بالوقوع في الكفر، ولا تأس عليهم فاللّه بهم محيط، وهو ناصرك عليهم حتما، مهما أظهروا من عداوة، وتعاونوا مع المشركين وألبوهم عليك.
والمراد من النهى عن الحزن النهى عن لوازمه التي يفعلها الشخص مختارا كتذكر المصائب وتعظيم شأنها.
ومن هم المسارعون بالوقوع في الكفر، والتنقل في أساليبه وألوانه ؟ هم المنافقون الذين آمنوا بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم، وبعض اليهود الذين يبلغون في سماع الكذب من أحبارهم الذين يلقون إليهم الأخبار الكاذبة في حق النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وقيل : سماعون للأخبار من النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ثم ينقلونها إلى الأحبار فيحيكون الأكاذيب على النبي صلّى اللّه عليه وسلّم موافقة لبعض ما يصدر عنه صلّى اللّه عليه وسلّم فيكون عملهم التجسس على النبي.
سماعون الكذب للأخبار، وسماعون لقوم آخرين لهم رأى خاص واتجاه آخر، موصوفون بأنهم لم يأتوك من شدة الكراهة لك، والحسد عليك، وقد كان بعض زعماء اليهود، يأبون على أنفسهم أن يجلسوا مع النبي صلّى اللّه عليه وسلّم!! وهم يحرفون الكلم من بعد مواضعه بنقل كلمة مكان أخرى، أو إخفائها وكتمانها، أو بحمل الألفاظ على غير ما وضعت له.
وهم يقولون لأتباعهم - كما ورد في سبب النزول - إن أعطاكم محمد رخصة بالجلد عوضا عن الرجم فخذوها، وإن حكم بالرجم فاحذروا قبوله، وما لك تحزن عليهم ؟
والحال أنه من يرد اللّه أن يختبره في دينه، ويظهر أمره ويكشف سره، فلن تملك له من اللّه شيئا يمنع ذلك، وهؤلاء المنافقون واليهود قد أظهرت فتنة اللّه لهم مقدار فسادهم، فهم الذين وضعوا أنفسهم للكذب ونقله وتحريف الكلم وكتمانه اتباعا لأهوائهم، ومرضاة لرؤسائهم وذوى الجاه فيهم، فلا تحزن عليهم ولا تطمع فيهم أبدا.
أولئك الذين لم يرد اللّه أن يطهر قلوبهم، ويزكى نفوسهم، لأن سنة اللّه في خلقه


الصفحة التالية
Icon