ج ١، ص : ٥٥٠
سبب النزول :
اختار ابن جرير أن هذه الآيات نزلت في قوم من النصارى، صفتهم كما ذكر القرآن، أما كونهم من الحبشة أو من نجران، وكون عددهم كذا أو كذا فاللّه ورسوله أعلم بذلك، والغرض المهم ما تشير إليه الآيات.
المناسبة :
بعد أن تعرض القرآن الكريم لليهود وأعمالهم، وللنصارى وعقائدهم، ذكر هنا أحوالهم في عداوتهم ومحبتهم للمؤمنين، وتعرض للمشركين كذا بالتبع.
المعنى :
تاللّه لتجدن أشد الناس عداوة للمؤمنين اليهود، وما ذلك إلا أنهم أهل عناد وجحود، وغمط للحقوق يحسدون الناس على ما آتاهم اللّه من فضله، خاصة أهل العلم ورجال الدين، ولذا نراهم قتلوا الأنبياء بغير حق، وقتلوا الذين يأمرون بالقسط من الناس، ووقفوا مع النبي صلّى اللّه عليه وسلّم مواقفهم المشهورة. فقد هموا بقتله، وحاولوا ذلك مرارا فسمّوه، وسحروه، وألّبوا عليه القبائل، وكانوا مصدر النفاق والشغب، هذا شأنهم دائما، فهم أهل مكر وخيانة، غلبت عليهم الأنانية وحب المادة، ولؤم الطبع وسوء الصنع، ويقاربهم في هذا أهل الشرك وعبّاد الأوثان، فهم مشتركون معهم في أخص الصفات وإن فاقهم اليهود. وأشد ما لاقى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم من العداوة والإيذاء كان من يهود الحجاز في المدينة وما حولها، ومن مشركي العرب ولا سيما أهل مكة وما قرب منها.
والتاريخ قديما وحديثا ملئ بالشواهد على ذلك، وإن مالأ اليهود المسلمين في بعض الظروف فلأمور سياسية عارضة دفعهم إليها حب المادة وعدل المسلمين.
ولتجدن - أيها الرسول - أقرب الناس مودة وأكثرهم محبة للذين آمنوا بك وصدقوك، الذين قالوا : إنا نصارى وهم أتباع المسيح عيسى ابن مريم رسول اللّه، لما


الصفحة التالية
Icon