ج ١، ص : ٥٨٦
ولا يتدفق عند قطبيها، من الذي خلق هذا وقدره ؟ ؟ إنه هو اللّه الواحد الأحد الفرد الصمد.
الحمد للّه قد جعل الظلمات والنور!! وهل الظلمات والنور في المحسوسات أم هما في المعقولات، أم اللفظ عام للجميع ؟.
والقرآن الكريم جرى على جمع الظلمات وإفراد النور لأن ظلمات الشرك والكفر أسبابها وأشكالها وألوانها مختلفة وكثيرة، أما نور الحق والهدى فطريقهما واحد، وللظلمات الحسية أسباب لأن الظلمة تحصل بحجب النور بالجسم والأجسام مختلفة وكثيرة، وللنور مصدر واحد وإن اختلف قوة وضعفا، وشكلا وصورة.
ثم الذين كفروا بعد هذا كله يعدلون بالوحدانية إلى الشرك، ويجعلون لمن خلق وأوجد وأنشأ وأبدع شريكا مساويا له كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا، أبعد هذا يكون شك في وحدانية اللّه وكماله ؟ !! ثم استأنف القرآن كلاما خاطب به المشركين والمعاندين مذكّرا لهم بما هو ألصق بهم، وهو خلقهم من طين أو من ماء مهين، فهذا أبونا آدم خلق من طين وها نحن أولاء نتكون من منىّ وبويضة، وهما من دم الذكر والأنثى، والدم من الغذاء، والغذاء من الحيوان والنبات وهما يرجعان إلى الأرض، وقيل : المعنى : خلق أباكم آدم من طين. ثم ضرب لنا أجلا نعيش به في الدنيا إلى وقت محدود فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ « ١ » وهناك أجل آخر مسمى عنده هو أجل الدنيا وانتهاؤها، ومصيرها إلى الحياة الآخرة لا يعلم به إلا هو، ولم يطلع عليه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ [سورة الأعراف آية ١٨٧].
ثم أنتم بعد هذا تمترون وتشكّون في خلقكم مرة ثانية، أى : في البعث ؟ فالذي خلق الجنين في بطن أمه من ماء مهين وجعله يتنفس ولو تنفس بالهواء العادي لمات، وجعله يتغذى بالدم القذر القاتل، أليست هذه حياة عجيبة ؟ !!! حقا إنها لعجيبة، والذي أحيانا على هذا الوضع قادر على إحياء الموتى يوم القيامة.
(١) سورة الأعراف آية ٣٤ والنحل ٦١].