ج ١، ص : ٥٩٣
المعنى :
قل لهم يا محمد : لمن ما في السموات والأرض ؟ ولمن هذا الكون وما فيه ؟ ولمن هذا الوجود وما يحويه ؟ لمن هذه السماء وقد ازينت! وهذه الكواكب وقد انتثرت!! ولمن هذه الأرض وقد مدت وفيها الأنهار الجواري والجبال الرواسي والعوالم التي لا يحيط بها إلا خالقها!! قل لهم : هذا كله للّه واهب الوجود، الكبير المعبود. مالك الملكوت، ذو الرحمة والجبروت، الواحد الأحد، الفرد الصمد، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم.
وهذا سؤال، وجوابه قد أمر به صلّى اللّه عليه وسلّم في القرآن لأنه هو الجواب المتعيّن، ولا يمكن لمنصف أن ينكر هذا أبدا وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ « ١ » فهم معترفون بهذا ولكن لسوء تفكيرهم يقولون في الأصنام : ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى « ٢ » فبئس ما يصنعون، على أن السؤال وجوابه كان تبكيتا لهم وتوبيخا، وقد بنى عليه شيء آخر من لوازمه، وقد يجهله المسئولون أو ينكرونه لعنادهم وحماقتهم.
فاللّه الذي برأ السموات والأرض، وله كل ما فيهما مما لا نعلم عنه إلا قليلا، وكالذرة بالنسبة للجبال الشم، وقد أوجب على نفسه، وقوله عَلى نَفْسِهِ لتأكيد الوعد وتحقيقه. أوجب الرحمة على عباده إذ هو الرحمن الرحيم، ليجمعنكم ليوم القيامة جمعا لا شك فيه ولا ريب، أو أنه ليجمعنكم ليوم لا ريب فيه ولا شك، نعم يجمعنا ويحشرنا لنأخذ الجزاء على أعمالنا فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ « ٣ »، وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى « ٤ » والثواب والعقاب على الأعمال من مظاهر الرحمة بالخلق، حتى يعرف الخلق ذلك، ومتى علم هذا كف باغي الشر عن شره، وأسرع باغي الخير في عمله، مع أنه ليس من العدل والرحمة ألا يجازى المحسن على إحسانه وألا يعاقب المسيء على إساءته. وكذلك من مظاهر الرحمة هدايتنا إلى معرفته ونصب الأدلة على توحيده بما أنتم مقرون به من خلق السموات والأرض.

_
(١) سورة لقمان آية ٢٥.
(٢) سورة الزمر آية ٣.
(٣) سورة الزلزلة الآيتان ٧ و٨.
(٤) سورة النجم آية ٣١. [.....]


الصفحة التالية
Icon