ج ١، ص : ٦٠٨
المعنى :
لا يوجد نوع من أنواع الدواب التي تدب على الأرض، ولا نوع من أنواع الطير الذي يطير في الجو إلا وهو أمم مماثلة لكم أيها الناس، لهم أرزاق وآجال ونظام محكم وطبائع تتلاءم مع خلقتهم وتكوينهم، فتبارك اللّه أحسن الخالقين! وقد أثبت العلماء الباحثون في طبائع الحيوان أن كثيرا من فصائله أمم لها ملك ومملكة ونظام وقيادة، وما النحل والنمل عنا ببعيد! وخص دواب الأرض بالذكر لأنها المرئية للكفار، أما ملكوت اللّه في السموات ففيه ما لا يعلمه إلا اللّه وحده، وهذه الآية توجه أنظارنا إلى البحث والدرس في طبائع الحيوان والاستفادة من ذلك فقد خلق لنا جميع ما في الأرض لننتفع منه ونسخره لمصلحتنا.
وما فرطنا في الكتاب من شيء أبدا، ولا قصرنا في أى شيء أبدا، وقال ابن عباس :
إن المراد بالكتاب هو أم الكتاب (و هو خلق غيبي سجل فيه كل ما كان وما سيكون على حسب السنن الإلهية). وقيل : الكتاب هنا هو علم اللّه المحيط بكل شيء، شبه بالكتاب لكونه ثابتا لا ينسى. وقيل هو القرآن، والمعنى : ما تركنا في القرآن شيئا من ضروب الهداية وأصول الأحكام والقوانين : ففي القرآن السياسة العامة الإسلامية من ناحية الاقتصاد والاجتماع والدين، وفيه الأصول العامة الأخرى للدين كالسنة والقياس والإجماع، ثم إلى ربهم يحشرون ويجازون على أعمالهم.
والذين كذبوا بآياتنا المنزلة الدالة على كمال القدرة، وتمام العلم والحكمة صم لا يسمعون دعوة الحق والهدى سماع قبول، وبكم لا ينطقون بما عرفوا من الحق، وهم يتخبطون في الظلمات، ظلمات الجهل والكفر والعادات القبيحة.
من يشاء اللّه يخذله ويضله ولا يلطف به لأنه ليس من أهل اللطف حيث ثبت في علمه القديم أنه أهل لما هو فيه من شقاء وعذاب.
ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم لأنه أهل لذلك في علمه، وهكذا كانت الحكمة فيما اختاره اللّه أزلا وفق علمه، صنع اللّه الذي أتقن كل شيء إنه خبير بعباده بصير بخلقه.


الصفحة التالية
Icon