ج ١، ص : ٦٥٢
فلم ينظروا نظرا بريئا للهداية والعبرة حتى يتعظوا ويؤمنوا : وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً « ١ » لكن لو شاء اللّه إيمانهم لآمنوا، ولكنه يتركهم وفطرتهم التي تتنافى مع سلوك طريق الخير والانتفاع بهدى القرآن : لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ « ٢ » مع تبصرتهم وهدايتهم إلى طريق الخير والشر :
وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ « ٣ ».
ولكن أكثر المشركين يجهلون ذلك، فيقسمون باللّه جهد أيمانهم : لئن جاءتهم آية مما اقترحوا ليؤمننّ بها، وما يشعرون بقلوبهم وما انطوت عليه، وبما ختم عليها حتى صارت كأنها في أكنة، وقيل : ولكن أكثر المسلمين يجهلون نفوس الكفار وما هي فيه، فيميلون إلى إنزال الآيات المقترحة علّهم يؤمنون.
وهكذا سنة اللّه في الخلق. منهم مهتد وكثير منهم فاسقون.
وهكذا سنته مع أنبيائه، جعل لكل منهم أعداء من الجن والإنس - خاصة أولى العزم منهم - ليحظوا بدرجات الصبر والعمل، فالنبي صلّى اللّه عليه وسلّم يدعو إلى الخير جاهدا، والمشركون يدعون إلى ما يعتقدون جهدهم، فمن باب تنازع البقاء لا بد من حصول العداوة والبغضاء، والعاقبة للمتقين إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا « ٤ ».
كما جعلنا هؤلاء أعداء لك جعلنا لكل نبي جاء قبلك أعداء، هم شياطين الإنس والجن،
روى أبو ذر - رضى اللّه عنه - أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال عقب صلاة : يا أبا ذر : هل تعوذت باللّه من شر شياطين الإنس والجن ؟ قال : قلت يا رسول اللّه : هل للإنس شياطين ؟ قال :
نعم وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ « ٥ ».

_
(١) سورة الأنعام آية ٢٥.
(٢) سورة البقرة آية ٢٥٦.
(٣) سورة البلد آية ١٠.
(٤) سورة غافر آية ٥١.
(٥) سورة البقرة آية ١٤.


الصفحة التالية
Icon