ج ١، ص : ٦٦٠
المفردات :
صَغارٌ الصغار والصغر : الذل والهوان، والصغر : القلة في المحسوسات.
أَجْرَمُوا : ارتكبوا ما فيه جرم.
كان الوليد بن المغيرة يقول للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم لو كانت النبوة حقا لكنت أنا أولى بها منك، لأنى أكبر منك سنّا، وأكثر منك مالا، فأنزل اللّه هذه الآية، وقيل : نزلت في شأن أبى جهل.
المعنى :
أراد أكابر قريش أن تكون لهم النبوة والرسالة، وأن يكونوا متبوعين لا تابعين وقالوا : لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ « ١ » !! وذلك حسدا منهم وغرورا، وظنّا منهم أن الرسالة مركز دنيوى، فكما بسط اللّه الرزق لهم وآتاهم مالا ممدودا - أى : كثيرا - وبنين شهودا - أى : حضورا للمجالس - وكبارا في القوم. يؤتيهم النبوة، ويمنحهم الرسالة.
ولهذا إذا جاءتهم آية دالة على صدق محمد، وأنه رسول اللّه، قالوا : لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتى رسل اللّه من الآيات والمعجزات : بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً « ٢ ». أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ « ٣ » أهم يقيسون الرسالة على مظاهر الدنيا الكاذبة ؟ وما علموا أن اللّه يعلم أهل رسالته ومكان نبوته، ومن هو أهل لأداء الرسالة والقيام بالأمانة على الوجه الذي يرضاه، على أن الرسالة فضل من اللّه يمنحها لمن يشاء من عباده، لا ينالها أحد بكسبه، واللّه لا يعطيها إلا لمن هو أهل لها لسلامة فطرته، وطهارة قلبه، وقوة روحه، ومناعة نفسه، حتى يمكنه القيام بأعبائها، أما من يطلبها ويرغب فيها فليست له، ولا هو يصلح لها، ولا هي تصلح له.
وها هي ذي عاقبة هؤلاء الذين أجرموا في حق اللّه، وطمعوا فيما لا طمع فيه سيصيبهم صغار وذلة، وعذاب ومهانة من عند اللّه، جزاء بما كانوا يمكرون، ويفسدون في الأرض ولا يصلحون.
(١) سورة الزخرف آية ٣١.
(٢) سورة المدثر آية ٥٢.
(٣) سورة الزخرف آية ٣٢.