ج ١، ص : ٦٩٥
من دون اللّه أولياء من أنفسكم وشياطينكم، الذين يوسوسون لكم بكل ضرر وخطر وضلال في العقيدة، وبدع في الدين، ويوهمونكم أن الأصنام شفعاء للّه وشركاء، وما هي إلا أحجار لا تضر ولا تنفع، إنكم قليلا ما تتذكرون الواجب عليكم نحو اللّه سبحانه وتعالى.
كثير من القرى التي أرسلنا إليها رسلنا مبشرين ومنذرين، فعصوا رسلهم وخالفوا أمرهم، أردنا إهلاكهم، فجاءهم بأسنا وهلاكنا وهم في الليل آمنون، أو هم قائلون في القيلولة، أتاهم العذاب على غرة منهم، وهم آمنون مكر اللّه، ولا يأمن مكر اللّه إلا القوم الخاسرون.
فما كان دعاؤهم وقولهم حين جاءهم البأس والهلاك، إلا إقرارهم بالذنب وقولهم : إنا كنا ظالمين، ولكن هل ينفع الندم يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [سورة غافر آية ٥٢].
وفي هذه الآية عبرة وعظة لمن يعتبر.
عقاب الأفراد المذنبين قد يؤجله اللّه إلى أجل مسمى عنده، بمعنى أنه يمهل ولا يهمل حتى يكون انتقامه مرة واحدة، هذا إذا تمادى الشخص وأمعن في السوء والعصيان، وبالغ في الفسوق والخروج عن حدود الدين، والشخص قلما يعتبر بالحوادث وبما يصيبه من مصائب فيرعوى عن غيه ويدرك حقيقة نفسه، ويتوب إلى ربه.
وأما الأمم التي تفسد فعقابها سريع، وجزاؤها قريب ورادع، ولنا في عرش الملك السابق عبرة وعظة!! ولنا في العروش التي تلت والأمم التي أبيدت وأذلت أكبر شاهد ودليل.
إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد ١١]. وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً
[الإسراء ١٦].
فاعتبروا يا أولى الأبصار، فإنما يتذكر أولوا الألباب!! إن ليوم القيامة مواقف تذهل فيها كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها، منها أن اللّه - سبحانه وتعالى - يسأل الذين أرسل إليهم الرسل ويقول لهم : ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ [القصص ٦٥] ؟.