ج ١، ص : ٦٩٩
ثم قلنا للملائكة : اسجدوا لآدم سجود تعظيم وإجلال وتكريم لآدم وذريته حتى يعرفوا نعم اللّه عليهم، فيقابلوها بالشكران وليقفوا على ما فعله إبليس قديما ليكونوا على حذر منه.
فسجدوا جميعا إلا إبليس اللعين أبى واستكبر، ولم يكن من الساجدين، وكان إبليس من الجن ففسق عن أمر ربه، وعلى ذلك قيل : إنه ليس من جنس الملائكة، وخوطب معهم لأنه مخالطهم، وقيل : هو من الملائكة، كما هو ظاهر الآيات.
ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ ؟ وفي سورة (ص) آية ٧٥ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ فدل هذا على أن (لا) في هذه الآية صلة (زائدة) للتأكيد، وقيل : المعنى ما حملك ودعاك إلى عدم السجود ؟.
قال إبليس معتذرا متعللا : أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ لأنك خلقتني من نار وخلقته من طين، والنار عند إبليس خير من الطين لعلوها وخفتها وصعودها ونورها.
والذي هو خير لا يسجد لمن هو أقل منه وإن خالف أمر ربه : هذا قياس إبليس، وهو أول قياس، لكنه باطل، إذ كيف يستدل على الخيرية بمواد الأشياء ؟ ! الخيرية إنما تكون بالمعاني والخصائص لا بالجنس والمادة : إذ أصل المسك دم الغزال وأصل العسل براز النحل، وأصل الماس كربون، وكيف يجهل إبليس ما حبا اللّه آدم به من العلوم والمعارف وتكريم اللّه له ؟ ! ويرى بعض العلماء أن هذه القصة تبين غرائز البشر، وطبائع الملائكة، وموقف الجن منا، ولم يكن سؤال هناك ولا جواب، ولكن هذا يخالف ظاهر الكتاب، على أن ذلك أمر غيبي يجب الإيمان به، وندع معرفة الحقيقة للّه وحده، ولا نشغل أنفسنا بأمور لا تدخل تحت طاقتنا، وليس فيها جدوى.
قال تعالى : إذا كان الأمر كذلك فاهبط يا إبليس من الجنة، فهي مكان المخلصين المتواضعين، فما يكون لك، ولا ينبغي منك أن تتكبر فيها، إذ هي المعدة للكرامة والتعظيم لا للتكبر والعصيان.
فاخرج إنك من الصاغرين الذليلين المهانين، وجاء في بعض الآثار :« إن اللّه تعالى