ج ١، ص : ٧١٠
بالرأى، وهذا منشأ تحريف الأديان، واتباع الهوى والشيطان، كما فعل أهل الكتاب.
وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ « ١ » بل علينا ألا نتخطى أصول الدين، من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس، وهذه الأصول لم تترك شيئا.
بعد ما ذكر اللّه - سبحانه وتعالى - جماع المحرمات والمفاسد التي تقضى على المجتمع وتبيد الأمم ذكر هنا حال الأمم الممتثلة وغيرها.
فبين أن لكل أمة أجلا محدودا، ووقتا مضروبا يعلمه اللّه - سبحانه وتعالى - وتنتهي عنده كما أن لكل شيء في الوجود أجلا، كذلك فلكل أمة زمان معلوم تكون فيه سعيدة عزيزة، أو شقية ذليلة.
وعزة الأمم وسعادتها تكون بامتثال الشرع وذيوع الفضيلة، والتمسك بأهداب الدين والمثل العليا، ولها في ذلك أجل محدود.
وشقاء الأمم وذلها يكون ببعدها عن الفضيلة، وذيوع الرذيلة، وشيوع الغش والرشوة والفساد، والإسراف والظلم، والإثم والبغي، ولها في ذلك أجل محدود.
أما فناء الأمم وهلاكها بالإبادة لمخالفتها الشرع فانتهى ببعثة الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم : وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ « ٢ ».
وقد جرت سنته - تعالى - بذلك مع جميع الأمم فنرى في أمم الغرب أمة قوية عزيزة لأنها تتمسك بالفضيلة والاعتدال وعدم الإسراف ولها أجل محدود ما دامت متمسكة بالحق، وبجانبها أمة ذليلة مهينة لأنها تتمسك بالرذيلة والإسراف.
والأمة الإسلامية أولى بالتمسك بالمثل العليا وعدم الإسراف ومجاوزة الحد في شيء، خاصة وأن دينها يأمرها بهذا.
واللّه - سبحانه وتعالى - إذا قضى على أمة بالفناء في ساعة فإنها لا تتقدم ولا تتأخر أصلا، فهذا تهديد ووعيد لمن يخالف الأمر، ويسير على غير هدى.
(١) سورة النحل آية ١١٦.
(٢) سورة الأنبياء آية ١٠٧.