ج ١، ص : ٧٣٨
وقال شعيب : يا قوم لا تفسدوا في الأرض بأى نوع من أنواع الفساد، كالظلم والرشوة وأكل أموال الناس بالباطل، وارتكاب الإثم والفواحش، وإفساد المجتمع بشيوع الانحلال الخلقي.
ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها، وقد أصلحها، وقد أصلحها اللّه بما فطر الناس على حب الخير، وبما أودع فيهم من الميل إلى الرشاد، وبما أرسل فيهم من الرسل والهداة والمرشدين.
فعليكم ألا تفسدوا فيها بالبغي والعدوان على الأنفس والمال والعقول والأعراض.
ذلكم الذي أمرتكم به ونهيتكم عنه هو خير لكم في الدنيا والآخرة، وهو مجلبة للسعادة في الدارين إن كنتم مؤمنين حقا بي وبرسالتي، وهكذا العلم وحده لا ينفع في قمع النفس وردها عن الشر بل لا بد معه من إيمان قلبي وتصديق روحي خالص، ومخالفة للنفس والهوى. وقال شعيب لهم : لا تقعدوا يا قوم في الطرقات تنهون الناس عن الإيمان وتخوفونهم عاقبته، وتعدونهم بالشر إن آمنوا - وقد كانت قريش تفعل ذلك، كما ورد في حديث ابن عباس - ولا تصدوا عن سبيل اللّه من آمن به من الناس.
ولا تطلبوا اعوجاجا لسبيل اللّه ودينه، بما تصفون وبما تكذبون وبما تشوهون الحقائق، وتفترون على اللّه الكذب.
واذكروا نعم اللّه عليكم وقت أن كنتم قلة في المال والرجال والسطوة فبارك فيكم، وزاد مالكم ونما، وكثر عددكم وربا، مع الجاه والقوة، وانظروا نظرة عبرة وعظة كيف كان عاقبة المفسدين الظالمين من قوم عاد وثمود وقوم لوط.
وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وصدقوا، وكانت هناك طائفة لم يؤمنوا، وهذا شأن الناس قديما وحديثا.
إن كان هذا فاصبروا أيها المؤمنون حتى يحكم اللّه ويقضى بيننا، وهو الحكم العدل، وقد حكم بنصرة عباده المؤمنين وهلاك الظالمين المفسدين، وهو خير الحاكمين.