ج ١، ص : ٧٨٧
المعنى :
من يهديه ويوفقه للخير ولاتباع الشرع، والاهتداء بالقرآن فهو المهتدى حقيقة لا غير، ومن يضله اللّه، ولا يوفقه ولا يهديه إلى الخير وإلى نور القرآن فأولئك البعيدون عن الهداية هم الخاسرون، وأى خسارة أكثر من هذا!! ؟
والهداية الإلهية نوع واحد (فهو المهتدى) وأنواع الضلال لا حصر لها، ولذا قال سبحانه : فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ.
وهذا بيان لما أجمل.
يقسم اللّه إنا قد خلقنا خلقا كثيرا من الجن والإنس، خلقناهم مستعدين لعمل مآله جهنم، وخلقنا كذلك خلقا مستعدين لعمل مآله الجنة فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ، [سورة هود ١٠٥] فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [سورة الشورى آية ٧].
أما حقيقة أهل النار فهم قوم ليس لهم قلوب يفهمون بها الأوضاع الصحيحة التي بها تزكو نفوسهم، وتطهر أرواحهم، فهم لا يفقهون الحياة الروحية ولذتها الموصلة للسعادة الدنيوية والأخروية، ولكنهم يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ « ١ ». ولا يفقهون أن الخير فيما أمر به الدين، وأن الشر فيما نهى عنه الدين، وليس لهم عيون يبصرون بها آيات اللّه الكونية وآياته القرآنية، وليس لهم آذان يسمعون بها آيات اللّه المنزلة على رسله ولا يسمعون بها أخبار التاريخ والأمم السابقة، وكيف كانت سنة اللّه معهم ؟
أولئك كالأنعام لهم حواس مادية فقط، همهم الأكل والشرب والتمتع باللذات، بل الحيوان يأكل بلا إسراف وهم مسرفون فهم أضل سبيلا وأسوأ قيلا، أولئك هم الغافلون عن آيات اللّه وغافلون عن استعمال مشاعرهم وعقولهم فيما خلقت لأجله، بل هم غافلون عن ضرورات الحياة الشخصية والقومية والدينية.
فالخلاصة أن أهل النار هم الأغبياء الغافلون حيث لم ينظروا إلى الحياة الباقية بل شغلوا أنفسهم بالحياة الفانية فقط : وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ [سورة يوسف آية ١٠٥].
(١) سورة الروم آية ٧.