ج ١، ص : ٨١١
النصر من اللّه : واللّه - سبحانه - هو الموفق لسلوك أسباب النصر أو أسباب الهزيمة، والنبي صلّى اللّه عليه وسلّم يعلم ذلك، وأن للّه سننا مع خلقه لا تتخلف، وأن عنده آيات يؤيد بها رسله، ولكنه لما رأى ضعف المسلمين وقلة عددهم وتهيبهم من القتال، استغاث اللّه ليوفقه إلى سنن النصر ويؤيده، فتقوى الروح المعنوية فيتحقق النصر، وقد استغاث الصحابة كما استغاث، ولقد استجاب اللّه الدعاء وأمدهم بألف من أعيان الملائكة يردف بعضهم بعضا حتى يتحقق قوله في سورة آل عمران : بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ [الآيتان ١٢٤ - ١٢٥] وما جعل اللّه ذلك المدد الإلهى إلا بشرى بأن النصر لكم، وأن اللّه معكم، ولتسكن قلوبكم، ويهدأ روعكم فتلقون الأعداء ثابتين مطمئنين.
واعلموا أن النصر من عند اللّه لا من عند غيره أبدا، إن اللّه عزيز لا يغالب، حكيم في كل صنع.
وهل الملائكة قاتلت بالفعل كما ورد في بعض الروايات ؟ أو هي قوة معنوية وتكثير للسواد ولم يحاربوا، بل ثبتت قلوب المسلمين وقويت روحهم المعنوية بهم. واللّه أعلم، على أن المتفق عليه أنهم لم يقاتلوا يوم أحد لأن اللّه علق النصر على الصبر والتقوى ولم يحصلا.
واذكروا إذ ألقى اللّه عليكم النعاس حتى غشيكم كما
روى البيهقي عن على - كرم اللّه وجهه - قال :« ما كان فينا فارس إلا المقداد، ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يصلى تحت شجرة حتى أصبح »
ولا شك أن النعاس يزيل الخوف ومن دلائل الأمن والطمأنينة والوثوق بالنصر.
ولقد نزلوا في بدر منزلا في كثيب (تل) أعفر تسوخ فيه الأقدام وليس فيه ماء، وقد احتلم بعضهم ليلا، ولما أصبحوا ظمئوا وصلّوا مجنبين محدثين، وكان المشركون على الماء فوسوس لهم إبليس وقال : لو كنتم على حق وفيكم نبي لما صليتم بجنابة وبغير وضوء ولما كنتم عطاشا وهم على الماء!! فأنزل اللّه مطرا كان على المشركين وابلا شديدا وكان على المسلمين طلّا خفيفا طهرهم من الرجس والدنس والجنابة والحدث، وقضى على وسوسة الشيطان وأصبحوا يطئون الرمل بسهولة فثبتت أقدامهم وسكنت قلوبهم،