ج ١، ص : ٨١٤
يستحق صاحبها الغضب الشديد والعذاب الأليم إلا رجلا منحرفا من مكان إلى مكان رآه أصلح في ضرب العدو. أو أراد أن يوهم العدو أنه يفر حتى يستدرجه بعيدا عن صحبه ثم يكر عليه فيقتله، فتلك من خدع الحرب المحبوبة. أو رجلا منتقلا من جماعة إلى جماعة أخرى رأى أنها في حاجة إليه فيشد أزرهم ويقوى عزمهم.
يا أيها الذين آمنوا إذا حاربتم الكفار فلا تولوهم ظهوركم أبدا، ولا تفروا منهم فأنتم أولى بالثبات والشجاعة فأنتم تطلبون إحدى الحسنيين، وقد وعدكم اللّه بالنصر، انظروا إلى ما حصل في غزوة بدر، قد نصركم اللّه بها وأنتم قلة في العدد، وما كان ذلك إلا بتأييد اللّه، وتثبيت قلوبكم، ومدكم بالملائكة. وبإلقاء الرعب في قلوب أعدائكم، فلم تقتلوهم ذلك القتل الذي كسر شوكتهم في الواقع، ولكن اللّه قتلهم بأيديكم قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ [سورة التوبة آية ١٤].
ولقد كان من المسلمين بعد أن رجعوا من غزوة بدر افتخار كثير فكان الواحد يقول : أنا قتلت، أنا أسرت، فعلمهم اللّه أن ذلك فخر كاذب لا يليق ووجههم توجيها حسنا حتى يلجئوا إليه ويعتمدوا عليه وحده فقال : فلم تقتلوهم بقوتكم ولكن اللّه قتلهم بتأييده ونصره وإنزال الملائكة وإلقاء الرعب وهو على كل شيء قدير.
روى أنه لما طلعت قريش قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : هذه قريش قد جاءت بخيلائها وفخرها يكذّبون رسولك، اللهم إنى أسألك ما وعدتني. فأتاه جبريل فقال : خذ قبضة من تراب فارمهم بها، فرمى بها وقال : شاهت الوجوه. فلم يبق مشرك إلا شغل بعينيه.
وما رميت يا محمد حين رميت الحصا، ولكن اللّه رمى، وهذه ظاهرة التناقض، لكن المعنى : وما رميت يا محمد فإن الأثر الذي حدث من قبضة التراب التي رميتها أثر كبير حيث وصل إلى عيون الجيش كله. وهذا لا يمكن أن يكون من بشر، وإن يكن أنت الذي رميت في الظاهر فصورة الرمي للرسول صلّى اللّه عليه وسلّم وأثر الرمي وما حدث منه للّه - سبحانه وتعالى -.
فعل اللّه ذلك كله لتقام حجته على الكفار بتأييد رسوله ونصره على عدوه وإن اختلفت الإمكانات الحربية، وليعطى المؤمنين الذين فارقوا ديارهم وأموالهم عطاء حسنا بالغنيمة والنصر وحسن السمعة ورد الاعتبار، إن اللّه سميع لكل قول والتجاء إليه، عليم