ج ١، ص : ٨٣٦
عقبيه، ورجع هاربا لا يلوى على شيء، وقال : إنى برىء منكم ومن عملكم، إنى أرى ما لا ترون من جند اللّه التي تحارب في صفوفهم والمراد أنه بطل عمله، وذهب كيده أدراج الرياح، وهذا تمثيل لحاله مع الكفار في الدنيا فما باله في الآخرة ؟ !! وفي المأثور : أن إبليس تمثل في صورة سراقة بن مالك الشاعر الكناني وتحدث معهم بالفعل، وفي بعض الروايات : كانت يده في يد الحارث بن هشام، فلما نكص وتركهم وقد حمى الوطيس قال له الحارث : إلى أين ؟ أتخذلنا في هذه الحال ؟ فقال : إنى أرى ما لا ترون ودفع في صدر الحارث وانطلق. إنى أرى ما لا ترون إنى أخاف اللّه!! انظر كيف وقف الشيطان منهم هذا الموقف ؟ !! واللّه شديد العقاب فاحذروا عقابه.
واذكر وقت أن يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض الشك والحسد وداء الحقد والبطر : غر هؤلاء المسلمين دينهم حتى يخرج ثلاثمائة لمحاربة ألف من زعماء قريش، إن هذا لغرور!! وما علم المنافقون أن من يتوكل على اللّه فهو حسبه، وناصره ومؤيده، فإن اللّه عزيز يعز أولياءه ويذل أعداءه، غالب على أمره، حكيم في فعله عليم بخلقه. سبحانه وتعالى.
ولو رأيت يا من تتأتى منك الرؤية وقت أن يتوفى الذين كفروا الملائكة، لو رأيت الكفرة في هذه الحال لرأيت شيئا عجيبا لا يكاد يوصف، فهم يضربون وجوههم وظهورهم بمقامع من حديد، ويقولون لهم : ذوقوا عذاب الحريق، وهذا بشارة لهم بعذاب الآخرة.
ذلك العذاب الشديد والضرب الأليم بسبب ما قدمته الكفار، واجترحته من المعاصي والذنوب، وأن اللّه ليس بذي ظلم للعباد أبدا بل يضع الموازين القسط، ويعطى كل ذي حق حقه.
ما حل بهم بسبب أعمالهم [سورة الأنفال (٨) : الآيات ٥٢ الى ٥٤]
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (٥٢) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٥٣) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ (٥٤)


الصفحة التالية
Icon