ج ١، ص : ٨٤٣
وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على اللّه فاللّه حسبك وكافيك، وهو السميع لكل قول وطلب، عليم بكل قصد ونية، وهذا يفيد أن دين الإسلام دين السلام والمحبة، وأنه عدو للحرب إلا إذا اقتضتها الظروف القاهرة.
وإن يريدوا خداعك بطلب الصلح حتى يستعدوا للحرب فاعلم أن اللّه كافيك شرهم، وناصرك عليهم، ولا غرابة، فهو الذي أيدك وأمدك بنصر من عنده وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وأيدك بالمؤمنين معك من الأنصار والمهاجرين، الذين دافعوا عنك دفاع الأبطال، وهو الذي ألف بين قلوبهم، وجمعهم على كلمة الحق والشهادة، وألزمهم كلمة التقوى، وكانوا أحق بها وأهلها جمعهم على حبك وألف بين قلوبهم المتنافرة المتباغضة، وقد كانوا في الجاهلية أصحاب حروب وفتن وعداوات وعصبيات وحب للانتقام وإثارة الحروب لأتفه الأسباب، ومع أنك لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم. ولكن اللّه القوى القادر الحكيم العليم ألف بين قلوبهم، وجمعهم على صراط سوى، إنه عزيز كامل القدرة والغلبة يعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير، حكيم في كل ما يصنع.
يا أيها النبي حسبك اللّه وكافيك في جميع أمورك أنت والمؤمنين بك فكونوا أقوياء العزم ثابتى الجنان، فإن اللّه معكم بالنصر والمعونة. ولا شك أن هذا يقوى الروح المعنوية في جيوش المسلمين.
وهذا لا يمنع الأخذ بالأسباب، ولذا يقول اللّه : يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال، وحثهم عليه حثا شديدا حتى يبذلوا النفس والنفيس في سبيل اللّه طيبة نفوسهم بهذا، وذلك ببيان فضيلة الجهاد وأنهم ينتظرون في الجهاد إحدى الحسنيين : إما الشهادة، ويا لها من شرف!! وإما الغنيمة والنصر. واعلموا أن الواجب عليكم أن الواحد يقاتل عشرة من الكفار، إذ هناك فرق شاسع بين من يقاتل عن عقيدة ثابتة ونفس مطمئنة، وبين من يقاتل مكرها أو مأجورا أو لغرض دنيوى بسيط.
إن يكن منكم عشرون صابرون محتسبون أجرهم عند اللّه يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم مائة صابرة على هذا الشرط يغلبوا ألفا من الذين كفروا باللّه وبرسوله، ولم يؤمنوا بالبعث والجزاء، ذلك بسبب أنهم قوم لا يفقهون الأسرار الحربية ونظامها الذي يكفل النجاح، وهم قوم لا يفقهون عن عقيدة وحجة، ثم هم لا يؤمنون بالبعث


الصفحة التالية
Icon