ج ١، ص : ٨٥٨
المعنى :
هذا هو بيان الحكمة الداعية للبراءة من عهودهم، مع أن الوفاء بالعهد فضيلة وشعبة من شعب الإيمان.
كيف يكون للمشركين عهد محترم عند اللّه وعند رسوله ؟ وهذا استنكار لأن يكون لهم عهد حقيق وجدير بالمراعاة عند اللّه ورسوله صلّى اللّه عليه وسلّم والمراد : ليس لهم عهد على أى وضع وحال، وهذا أبلغ في النفي من غيره، ولكن الذين عاهدتم عند المسجد الحرام، وهم الذين سبق استثناؤهم في قوله : إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً الآية. وهذا مقيدا بأنهم يستقيمون لكم ولا يقدمون أى إساءة، فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم، وأتموا لهم عهدهم إلى مدتهم على هذا الأساس وهو عدم تعديهم عليكم، إن اللّه يحب المتقين الذين يوفون بالعهد ولا يظلمون.
وكيف يكون لهم عهد محترم وذمة عند اللّه وعند رسوله ؟ والحال أنهم إن يظهروا عليكم، ويظفروا بكم، لا يراعون في شأنكم قرابة ولا صلة، ولا يراقبون فيكم عهدا ولا ذمة، وهم يرضونكم بألسنتهم، وقلوبهم قد ملئت حسدا وحقدا، وتأبى قلوبهم أن تكون معكم أبدا، ولا غرابة في ذلك فأكثرهم فاسقون وخارجون عن حدود الدين والمروءة، فالوفاء بالعهد للذين يخافون اللّه أو حساب الضمير، وهم قد اشتروا بدل الآيات الإلهية الداعية للمثل العليا الكريمة ثمنا قليلا تافها وشيئا حقيرا، وهو اتباع الأهواء، والخضوع للشيطان، ولذا تراهم صدوا عن سبيل اللّه ودينه الحق، وبذلوا في سبيل اللّه كل مرتخص وغال، إنهم ساء ما كانوا يعملون، وبئس العمل عملهم!! وهم لا يرقبون في شأن مؤمن - أيا كان - عهدا ولا ذمة على الإطلاق في أى وقت أو زمان، وأولئك هم المعتدون المتجاوزون الغاية القصوى في الظلم والشر.
هؤلاء الذين وصفوا بهذا الوصف، كيف يكون لهم عهد عند اللّه وعند رسوله ؟ ! وكيف يثبت هؤلاء على عهدهم، فهم يخضعون للقوة، ويوفون للسيف لا للذمة، وقد ثبت أنهم كذلك في الواقع.