ج ١، ص : ٨٦٣
المفردات :
أَنْ يَعْمُرُوا عمارة المسجد في اللغة : تشمل لزومه والإقامة فيه وعبادة اللّه فيه، وبنيانه وترميمه وخدمته والإرعاء عليه، والعناية به. مَساجِدَ : جمع مسجد، وهو مكان السجود، ثم استعمل في البيوت الخاصة بعبادة اللّه وحده.
والمراد : المسجد الحرام.
روى عن ابن عباس - رضى اللّه عنه - أنه لما أسر العباس يوم بدر عيره المسلمون بالكفر وقطيعة الرحم، وأغلظ علىّ في القول، فقال العباس : ما لكم تذكرون مساوينا وتنسون محاسننا ؟ فقال علىّ : ألكم محاسن ؟ فقال : نعم، إننا نعمر المسجد الحرام، ونحجب الكعبة، ونسقى الحاج
، فأنزل اللّه - عز وجل - ردا على العباس هذه الآيات، والمراد أنها تتضمن الرد على العباس وأمثاله لا أنها وقعت عقب قوله، وهي مناسبة لنقض عهودهم، وعدم حجهم البيت ومنعهم منه إذا أنها تفيد منع خدمتهم وعمارتهم للمسجد الحرام أيضا.
المعنى :
ما كان ينبغي ولا يصح للمشركين أبدا أن يعمروا مسجد اللّه الأعظم، وبيته المحرم بالإقامة فيه للعبادة أو للخدمة والولاية عليه، ولا أن يزوروه حجاجا أو معتمرين، وهذا الحكم يشمل كل المساجد ما كان لهم ذلك في حال كونهم شاهدين على أنفسهم بالكفر، فإن هذا جمع بين الضدين فإن عمارة المسجد الحسية أو المعنوية بالعبادة لا تصح إلا من المسلم الموحد باللّه الذي يعبد اللّه وحده، والكفر باللّه والإشراك به يتنافى مع عبادة اللّه وحده والقيام على مساجد اللّه خصوصا مسجد اللّه الحرام.
والخلاصة أنهم جمعوا بين أمرين متنافيين عمارة بيت اللّه مع الكفر باللّه، وشهادتهم بالكفر ثابتة قولا وعملا فهم يقولون : لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك، وأما عملهم فقد عبدوا الأصنام واستقسموا بالأزلام، فهذه شهادتهم بالكفر.
أولئك المشركون البعيدون في الضلال حبطت أعمالهم وبطلت، وهم في النار خالدون وماكثون : أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ