ج ١، ص : ٨٦٦
وهل هذا خطاب للمشركين حسب السياق ؟ أم هو خطاب للمؤمنين حسب حديث النعمان بشير - رضى اللّه عنه - إذا كان هذا حال السقاية والعمارة مع المؤمنين فما بال الكفار الذي يفتخرون بهما ؟ !! نعم لا يستوون عند اللّه أبدا، وإن كان في كل خير، إلا أن الإيمان باللّه واليوم الآخر والجهاد في سبيل اللّه مع بذل النفس والنفيس أعلى درجة وأعظم مكانة عند اللّه واللّه لا يهدى القوم الظالمين إلى معرفة جهة الفضل، وموضع الخير، إذ قد طمس اللّه على قلوبهم.
الذين آمنوا باللّه ورسوله وهاجروا، وجاهدوا في سبيل اللّه ولإعلاء كلمته باذلين النفس والمال هم أعظم درجة، وأعلى مكانة ممن لم يتصف بهذه الصفات كائنا من كان، وإن حاز جميع ما عداها من الكمالات التي من جملتها السقاية والعمارة.
فإن فهمت الآية على أن الخطاب للمؤمنين المتفاخرين حسب حديث النعمان بن بشير قلنا : إنه لا مراء أن في السقاية والعمارة خيرا وإن كان الإيمان والجهاد أعظم درجة عند اللّه.
وإن فهمت الآية على أن الخطاب للمشركين والتفاخر من الكفار كان المعنى : نعم للسقاية والعمارة درجة عند اللّه إذا فعلا كما يرضى اللّه ورسوله، ولكن الشرك يحبط عملهما كما سبق.
وأولئك المؤمنون المهاجرون والمجاهدون هم الفائزون بمثوبة اللّه وفضله وكرامته.
وما هذا الفوز ؟ أجاب اللّه بقوله : يبشرهم ربهم في كتابه المنزل على نبيه برحمة واسعة، ورضوان من اللّه أكبر من كل شيء، وجنات لهم فيها نعيم مقيم دائم، وهم خالدون فيها وماكثون إلى ما شاء اللّه عطاء غير مجذوذ، أى : غير مقطوع.
إن اللّه عنده أجر عظيم فلا غرابة في هذا : وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [سورة التوبة آية ٧٢].
وقد ورد عن أبى سعيد الخدري - رضى اللّه عنه - قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إن


الصفحة التالية
Icon