ج ١، ص : ٨٧١
لما بلغ قبيلة هوازن فتح مكة جمعهم مالك بن عوف وكانت الرياسة له، وكان على ثقيف كنانة بن عبيد ونزلوا بأوطاس (واد في ديار هوازن فيه كانت وقعة حنين). ولما بلغ خبرهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عزم على قصدهم وأعد العدة، وكان معه حوالى اثنى عشر ألفا من المسلمين : عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار، وألفان من مسلمة الفتح وهم الطلقاء، ولما رأى المسلمون كثرتهم غر بعضهم هذا حتى قال : لن نغلب اليوم عن قلة، فوكلوا إلى أنفسهم حتى انهزموا ثم لما رجعوا عن غرورهم والتجأوا إلى ربهم كان النصر والظفر لهم.
المعنى :
لقد نصركم اللّه في مواطن كثيرة تقابلتم فيها مع أعدائكم وأنتم قلة قليلة، وهم كثرة كثيرة، ومع هذا نصركم اللّه وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ حيث كنتم متوكلين على اللّه، معتمدين عليه ممتثلين أمر اللّه ورسوله، معتقدين أن النصر من عند اللّه، وأنه كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن اللّه، واللّه مع الصابرين. إن تنصروا اللّه ينصركم ويثبت أقدامكم.
أما إذا أعجبتكم كثرتكم، وظننتم أنكم لا تغلبون عن قلة وضعف كما حصل منكم يوم حنين فقد ترككم ربكم لأنفسكم فلم تغن كثرتكم عنكم شيئا من قضاء اللّه وضاقت عليكم الأرض بما اتسعت من الخوف ثم وليتم مدبرين وكانت الدائرة عليكم في أول المعركة حتى فر كثير من الناس، ولم يلو أحد على أحد، وثبت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ومعه أبو بكر وعمر وعلىّ والعباس وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وابنه جعفر، وأسامة بن زيد، وأيمن بن عبيد، وربيعة بن الحارث، والفضل بن عباس : وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على بغلته الشهباء ثابتا يقاتل الكفار، وقال :« أى العباس » ناد أصحاب السمرة (الشجرة التي كانت عند بيعة الرضوان) فنادى عباس وكان ذا صوت : أين أصحاب السمرة! قال : فو اللّه لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها، فقالوا : لبيك. قال : فاقتتلوا والكفار...
قال : ثم أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حصيات فرمى بها وجوه الكفار. ثم قال :« انهزموا ورب محمد ».
وفي رواية أنه دعا واستنصر وكان يقول :« أنا النبي لا كذب، أنا ابن


الصفحة التالية
Icon