ج ١، ص : ٨٨٥
الحياة الدنيا المشوب بالهم والحزن في جانب الآخرة ونعيمها الدائم والرضوان الإلهى العظيم فيها إلا شيء قليل لا يعبأ به، ولقد شبه النبي صلّى اللّه عليه وسلّم نعيم الدنيا ونعيم الآخرة في قلته وسرعته بمن وضع إصبعه في البحر ثم أخرجها منه
قال :« فانظر بم ترجع »
؟.. إن لم تنفروا خفافا وثقالا كل على قدر حاله وإمكاناته يعذبكم اللّه عذابا أليما موجعا، ويستبدل قوما غيركم يطيعون اللّه ورسوله صلّى اللّه عليه وسلّم، ويحبهم اللّه ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين، يجاهدون في سبيل اللّه ولا يخافون لومة لائم. ومن هم ؟ اللّه أعلم بهم، على أن هذا تهديد فقط وإلا فالشرط وجوابه لم يتحققا.
ولا تضروه أيها المتثاقلون في شيء أصلا، إذ لا يبلغ أحد ضره ولا نفعه كيف ذلك ؟ وهو القاهر فوق عباده!!! واللّه على كل شيء قدير، وهو الغنى عن نصرتكم لنبيه ورسوله صلّى اللّه عليه وسلّم.
إن لم تنصروه، ولم تطيعوه للجهاد في سبيل اللّه فسينصره اللّه بقدرته وتأييده كما نصره وقت أن أجمع المشركون على الفتك به أو إخراجه من بلده أو حبسه وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ [سورة الأنفال آية ٣٠].
نصره اللّه في ذلك الوقت ولم يكن معه جيش ولا أنصار بل حال كونه ثانى اثنين وواحدا منهما إذ هما في الغار المعروف في جبل ثور، إذ يقول لصاحبه أبى بكر حين فزع لما رأى المشركين وقال : يا رسول اللّه، واللّه لو نظر أحدهم تحت قدمه لأبصرنا.
يقول النبي صلّى اللّه عليه وسلّم : يا أبا بكر لا تحزن إن اللّه معنا بالنصر والمعونة والولاية والرعاية
. وفي رواية :
قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يا أبا بكر ما ظنك باثنين اللّه ثالثهما ؟
فأنزل اللّه سكينته على أبى بكر حتى هدأ من روعه وطمأن نفسه أما النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فقد كان ثابت الجنان هادئ النفس واثقا بالنصر ثقة لا حد لها، ولم يخف ولم يحزن أبدا، وأيد اللّه نبيه بجنود من عنده لم تروها، فاللّه معه وناصره، وحافظه، وكافيه شر الكفار والمستهزئين، وقد أمده اللّه بالجنود من الملائكة المسومين في بدر وحنين والأحزاب بما لا يدع مجالا للشك إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
[سورة غافر آية ٥١].
وجعل اللّه كلمة الكافرين ودولتهم هي السفلى، وكلمة اللّه ودولته هي العليا، واللّه


الصفحة التالية
Icon