ج ١، ص : ٨٩١
ثم أراد القرآن أن يطمئن المؤمنين ويبين أن عدم خروجهم مصلحة للجيش فقال ما معناه : لو خرجوا منبثين فيكم، وقاتلوا معكم، ما زادوكم إلا خبالا وضعفا، واضطرابا في الرأى وفسادا في العمل، فلن يأتى منهم خير أبدا بل سيأتى شر، وإذا خرجوا معكم فسيسرعون في الدخول بينكم بالنميمة وتفريق الكلمة حالة كونهم يبغون الفتنة، وإذاعة السوء، والتخويف من الأعداء، وتثبيط الهمة وهذا كله خطر عليكم وأى خطر كهذا ؟ !! ولا تنسوا أن فيكم قوما سماعين لهم من ضعفاء العقل والإيمان يسمعون لهم ويصدقونهم في قولهم، واللّه يعلم أن قولهم إفك، وحديثهم كذب، واللّه عليم بالظالمين، ومجازيهم على عملهم.
تاللّه لقد ابتغوا الفتنة من قبل لكم، ألا تذكروا موقف عبد اللّه ابن أبىّ زعيم المنافقين في غزوة أحد حينما توقف عن السير للقتال في مكان يسمى بالشوط وانحاز له ثلث الجيش، ولقد همت طائفتان منكم أن تفشلا وترجعا عن القتال، ولكن عصمهم اللّه من الذلة إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا [سورة آل عمران آية ١٢٢]، وتقدم تفصيل ذلك في الجزء الرابع فخروجهم معكم خطر عليكم، واللّه صرفهم عنكم.
لقد ابتغوا الفتنة لكم قديما، وقلبوا لكم الأمور، وفكروا كثيرا في القضاء على دعوتكم ولكن : أطنين أجنحة الذباب يضير ؟ !! نعم لم يفعلوا شيئا فاللّه معكم، وقد جاء الحق بالنصر الموعود، وظهر أمر اللّه بالتنكيل باليهود، وبطل الشرك بفتح مكة، ودخول الناس في دين اللّه أفواجا، كل ذلك وهم له كارهون..!!
يا عجبا لهؤلاء المنافقين ينتحلون الأعذار، ويظهرون التمسك بالفضيلة، وما علموا أن اللّه يعلم السر وأخفى، ويعلم الغيب والشهادة!! وقد كانت نفوسهم منطوية على نفاق اللّه أعلم به. انظر إلى بعضهم يقول للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم : ائذن لي في القعود عن الحرب وسأعينك بالمال فإنى أخاف فتنة نساء الروم فأذن لي ولا تفتنّى، فيرد اللّه عليهم مكذبا دعواهم كاشفا حقيقتهم : ألا في الفتنة سقطوا، وقد وقعوا فيها كما يقع الإنسان في البئر، وانظر إلى بدء الجملة بكلمة (ألا) للتنبيه وافتتاح الكلام وأنهم خبوا في الفتنة ووضعوا!!! وانظر إليهم وهم يتربصون بكم الدوائر، ويتمنون لكم كل شر وخيبة


الصفحة التالية
Icon