ج ١، ص : ٩٠٠
بظاهر حالهم، ويجرى عليهم أحكام الشريعة وآدابها التي يعامل بها الناس، ولقد رد اللّه عليهم ولقنه الجواب : قل : هو أذن خير لا أذن شر كما تعلمون!! فهو لا يقبل مما يسمعه إلا الخير وما وافق الشرع، ولا يسمع الباطل، ولا الغيبة ولا النميمة ولا الجدل ولا المراء.
ثم فسر المراد بأذن خير.. بأنه يؤمن باللّه وما يوحيه إليه من أخبار الغيب وأسرار السماء وبما يوحى إليه من أخباركم وأخبار غيركم : ويؤمن للمؤمنين إيمان جنوح وميل وائتمان للمهاجرين والأنصار وصادقي الإيمان، أما المنافقون فلا يميل لهم ولا يصدق خبرهم وفي هذا تهديد لهم بأن اللّه ينبئه بأسرارهم وأخبارهم يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ [سورة التوبة آية ٦٤].
وهم رحمة للمؤمنين فقد هداهم إلى سعادة الدنيا والآخرة، وفي قوله : مِنْكُمْ إشارة إلى أن منهم من يدعى الإيمان وهو كاذب فيه، وإشارة إلى أنه عالم أن فيهم المنافقين، ولكن لحسن خلقه يعاملهم بالحسنى حتى يؤذن بغيرها.
والذين يؤذون رسول اللّه في كل ما يتعلق بالرسالة كوصفه بالسحر والكذب، وعدم الفطنة... إلخ لهم عذاب أليم، إذ هم كفروا بهذا، أما الإيذاء الخفيف فيما يتعلق بشخصه فحرام فقط مع أنه لا يصدر من مؤمن أبدا، وإيذاء أهل بيته حرام كذلك.
إن من عادة المنافقين، والكاذبين، ومن يرتكبون جرما أن يشعروا بحرج موقفهم، وكأن الناس جميعا مطلعون عليهم عالمون بأحوالهم، ولذلك تراهم يكثرون من الحلف حتى تبتعد عنهم الشبهة المحيطة بهم، وقد كان المنافقون كثيرا ما يحلفون، ويعتذرون واللّه يعلم إنهم لكاذبون!! يحلفون لكم أيها المؤمنون أنهم براء مما نسب إليهم قولا وفعلا ليرضوكم فتطمئنوا لهم وتثقوا فيهم، وقد فهموا أنهم بهذا يضمونكم لصفوفهم.
فيرد اللّه عليهم ويكشف سترهم حيث يقول : يحلفون لكم ليرضوكم والحال أن اللّه ورسوله أحق بالإرضاء من المؤمنين، وإرضاء اللّه ورسوله بالإيمان الصادق والعمل الكامل، والبعد عن النفاق، وقد أفرد الضمير أَنْ يُرْضُوهُ ليعلموا أن رضاء الرسول رضاء اللّه مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ هذا إن كانوا مؤمنين حقا إذ علامة الإيمان ثقة باللّه وحب له ولرسوله، والعمل على رضاهما بامتثال الأمر واجتناب النهى :
« ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون اللّه ورسوله أحب إليه مما


الصفحة التالية
Icon