ج ١، ص : ٩١١
الجزية! انطلقا حتى تفرغا ثم عودا، ولم يعطهما شيئا، ثم أقبلا على النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بصدقة السلمى الذي أعطاهما من خيار ماله، فلما رآهما النبي مقبلين قال :« يا ويح ثعلبة » ثم دعا للسلمى بالبركة، فنزلت الآية الكريمة وحينما بلغت ثعلبة عاد إلى رسول اللّه ومعه الصدقة، فقال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم :« إن اللّه منعني أن أقبل منك »
وهكذا لحق النبي بالرفيق الأعلى ولم يقبلها منه ونهج الخلفاء أبو بكر وعمر وعثمان هذه السيرة ومات ثعلبة في خلافة عثمان.
المعنى :
وبعض المنافقين عاهد اللّه ورسوله لئن أعطاه اللّه مالا كثيرا ليصّدّقن، ويعطى كل ذي حق حقه. وليكونن من عباد اللّه الصالحين، فلما آتاه اللّه مالا وأغناه من فضله، بخل بالمال وشح بالخير، وأمسك فلم يتصدق بشيء، وبدل أن يصلح نفسه وأمته بالإنفاق كما عاهد اللّه وأقسم على ذلك، أعرض عن ذلك وتولى وهو معرض بكل قواه إعراضا راسخا ثابتا، وهذا طبع في المنافقين لازم لهم راسخ فيهم.
فأعقبهم ذلك البخل وهذا الإعراض نفاقا من النوع العالي الدائم إلى يوم القيامة، ولا غرابة فكل معصية وإن صغرت تحجب شيئا من نور الإيمان حتى إذا كثرت المعاصي حجبت جميع النور فأصبح القلب في ظلمات الفساد والعصيان والنفاق غارقا.
كل هذا بسبب ما أخلفوا اللّه وعده، كما في قصة ثعلبة وأضرابه من المنافقين، وبما كانوا يكذبون... فآية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان « ١ ». صدق رسول اللّه.
ألم يعلم هؤلاء أن اللّه يعلم سرهم ونجواهم، وأن اللّه علام الغيوب يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور ؟ !! فاللّه يعلم كل هذا، ولكن المنافقين لا يعلمون..

_
(١) أخرجه البخاري ١/ ٨٣، ٨٤ في الإيمان باب علامات المنافق ومسلم ٥٩ في الإيمان.


الصفحة التالية
Icon