ج ٢، ص : ١٠٢
يقول اللّه - سبحانه وتعالى - : وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ. وصدق اللّه العظيم.
وإنى أحب أن أقول : إن القرآن الكريم لم يأت كتابا علميا يفصل نظريات ويشرح قواعد علمية. وإنما جاء يعالج أمة بل العالم كله، يعالجهم من ناحية التشريع والحكم، ومن ناحية العمل والفقه، ومن ناحية السياسة الاقتصادية والاجتماعية وغيرها.
ولذلك من يتعرض لاستنباط النظريات العلمية الدقيقة من القرآن، ويحاول أن يحمل الألفاظ ما لا تطيق، إنما هو باحث عاطفى.
ولكن القرآن الكريم لا يتعارض مع النظريات - أيضا - وإن تعارض ظاهره فإن الواجب علينا أن نرجع إلى أنفسنا ونعيد الفهم والتطبيق في النظريات العلمية. وهي محل بحث ونظر وقد تعدل أو يرجع عنها أصحابها فلا نجد في النهاية تعارضا وعلى ذلك يمكننا أن نفهم قوله - تعالى - : وكان عرشه على الماء.
والعرش هو التصريف والملك والأمر والحكم على رأى الخلف، والسلف يرون أن العرش هو العرش بلا تأويل، واللّه أعلم بحقيقته.
وأما الماء الذي كان قبل خلق السموات والأرض فهو الدخان الذي ذكر في الآيتين ٩ و١٠ من سورة فصلت، وهو الموافق لنظرية السديم، ونظرية التكوين العلمية توافق نظرية القرآن في قوله تعالى : أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما [سورة الأنبياء آية ٣٠] كما توافق خلاصة البحث العلمي.
قبل أن تتكون الكواكب والنجوم كان الفضاء مملوءا بذرات دقيقة صغيرة تشبه الدخان والماء يقال لها السديم، وكان لكل ذرة من هذه الذرات السديمية خاصيتان خلقهما اللّه في الذرة (الدوران حول النفس والجاذبية) ثم أخذت هذه الذرات في التجمع بسبب الجاذبية والدوران، ونتج عن ذلك التجمع احتكاك تولد عنه الحرارة والالتهاب والضوء، وهذه هي العناصر التي تتصف بها الشمس وتميزها عن الكواكب المعتمة المظلمة، نشأ عن ذلك الاحتكاك وعن هذه الحرارة أن كان قرص الشمس رخوا. ومن شدة الحرارة وسرعة دوران الشمس حول نفسها انفصلت أجزاء منها وكونت ذلك الكوكب الذي نعيش عليه (الأرض) وأخذت الأرض تفقد حرارتها


الصفحة التالية
Icon