ج ٢، ص : ١١٤
وهنا يظهر سؤال لما ذا سيقت القصة في القرآن ؟ وما السر في اختلاف الأسلوب للقصة الواحدة، ولما ذا كررت في عدة سور ؟
لقد كان القصص في كل لغة لونا من ألوان الأدب الفنى الرائع، لما له من الأثر النفسي في قلوب سامعيه.
والقصص في القرآن ينبئنا عن أخبار الأنبياء والرسل، وما حصل لهم، وكيف قاموا بدعوتهم ؟ وكيف عالجوا أزماتهم ؟ وما انتهى إليه أمرهم، وعلى العموم فهو مدرسة إلهية معلموها الأنبياء، وتلاميذها الأمم.
ولقد سيقت للعبرة والعظة حيث يقف المسلمون والمشركون على أحوال من تقدمهم من الأمم فيعتبر ذوو الألباب ويتعظون، وفيها التسلية الكاملة للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم وصحبه من حيث يقفون على أخبار الرسل وأممهم وكيف كانت العاقبة للمتقين، والدائرة على الكافرين المعاندين، وفي هذا تثبيت لهم وشحذ لعزائمهم فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ. وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ والعبرة والعظة تظهر في قوله تعالى لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْ ءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ آخر سورة يوسف.
وقد سيقت القصة دليلا على صدق الرسول وأن خبره من السماء إذ هو يقص أخبارا ما كان يعلمها هو ولا أحد من قومه، ولا يكون هذا إلا بوحي من السماء تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ. ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ [يوسف : ١٠٢] وهي علاج للقلوب، ودواء للنفوس لما فيها من أخبار الأمم وما حل بالعاصين من عاجل بأس اللّه. فأهل اليقين وغيرهم إذا تلوها تراءى لهم من ملكه وسلطانه وعظمته وجبروته حيث يبطش بأعدائه ما تذهل منه النفوس. وتشيب منه الرؤوس
« شيّبتنى سورة هود وأخواتها »
. صدق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم.