ج ٢، ص : ١٦٨
المفردات :
مَثْواهُ مقامه عندنا مأخوذ من ثوى بالمكان أقام به أَشُدَّهُ رشده وكماله.
المعنى :
وقال الذي اشتراه من مصر، لم يذكر القرآن اسمه ولا صنعته ولا مسكنه لأن القرآن ليس كتاب تاريخ أو قصص يعنى بهذه الأشياء، بل قصصه لمعنى أعلى وأسمى ولا يهتم بمثل هذا، وقد ذكرت روايات في اسمه ووظيفته كثيرة، والظاهر أنه كان رئيس شرطة وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ.
قال أكرمى مقام هذا الغلام، فلا يكن في منزلة العبيد والأرقاء، بل عامليه كفرد منا فإنى ألمح فيه النبل والخلق، وأرى أنه سيكون له شأن : أكرميه رجاء أن ينفعنا في أعمالنا الخاصة أو العامة أو نتخذه ولدا لنا تقر به أعيننا ونرثه ويرثنا.
يا سبحان اللّه!! أهكذا يكون يوسف الذي ألقى في الجب! وقد وقع في قلب سيده هذا الموقع ولا غرابة فالله حارسه وهاديه، وحافظه وراعيه ومثل ذلك التدبير والعناية بيوسف مكناه في أرض مصر، وكان هذا العطف من عزيزها فاتحة الخير وإن اعترض سبيله بعض المشاق فتلك حكم اللّه يعلمها، وكما قيل : الحوادث تخلق الرجال.. مثل ذلك مكناه في الأرض، ولنعلمه من تأويل الأحاديث، وتعبير الرؤيا وهكذا إعداد الأنبياء.
واللّه غالب على أمره، ومنفذ ما أراده لا راد لقضائه، فكل ما وقع ليوسف من إلقائه في الجب ومن استرقاقه وبيعه وتوصية سيده لامرأته بخصوصه وتعليمه الرؤيا وغير ذلك خطوات لإعداد يوسف للمحل الذي ينتظره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ذلك.
ولما بلغ أشده ؟ وكمل رشده، واستوى عقله وبدنه آتيناه حكما إلهاميا فيما يعرض له من المشاكل والنوازل، وسن الرشد هل هي ثلاثون أو أربعون ؟
مثل ذلك نجزى المحسنين العاملين خصوصا الأنبياء والمرسلين وقائدهم وخاتمهم محمد صلّى اللّه عليه وسلم..