ج ٢، ص : ١٧٥
خلق مثل هذا.. ما هذا بشرا إذ لم يعهد مثل هذا في البشر ما هو إلا ملك كريم من الملائكة تمثل في صورة بشر.
قالت وقد وصلت إلى ما تريد من إيقاعهن في شبكة جماله : إذا كان الأمر ما رأيتن بأعينكن، وما أكبرتن في أنفسكن، وما حصل منكن عند ما رأيتنه، وقد قلتم ما قلتم فذلكن الذي لمتنني فيه وكان الظاهر أن تقول : فهذا الذي لمتنني فيه ولكنها تريد فذلك يوسف البعيد في الكمال والجمال، بل هو أكبر من كل ذلك هو ملك روحانى في صورة بشر إنسانى.
وإذا كان هذا أمركن معه في لحظة فماذا أفعل وهو معى ليلا ونهارا ؟ ولقد راودته عن نفسه فاستعصم وامتنع امتناعا بليغا مؤكدا، واستمسك بعروة عصمته التي ورثها عن أسلافه.
وتالله لئن لم يفعل ما آمره به ليسجنن وليكونا من الصاغرين، يا عجبا أبعد هذا كله تظل المرأة على حالها وتلح بطلب الوصال بيوسف!! لم تكتف بالإشارة مع يوسف حتى صرحت له وطلبت علنا وقالت (هيت لك)، ولم تقنع بالطلب بينها وبينه حتى عادت فطلبت علانية بحضور النسوة أترابها إن هذا لعجيب!! قال يوسف : يا رب. السجن أحب إلى مما يدعونني جميعا إليه فتلك بيئة ملوثة لا أحب المكث فيها أبدا، وإن لي في السجن لراحة بال وهدوء نفس، وهكذا لا يستريح الطيب في البيئة الفاسدة، وهذه إشارة إلى أثر البيئة، وإلا تصرف عنى يا رب كيدهن أصب إليهن وأمل، وأكن من عداد الجاهلين الذين يعملون السوء بجهالة، فاستجاب له ربه وصرف عنه كيدهن، وعصمه إنه هو السميع المجيب لدعاء المظلومين، عليم بصدق الإيمان وكمال الإخلاص.
ولكن ماذا يفعل العزيز وقد شاع الخبر أولا وأخيرا ؟ لا بد أن يلجأ إلى أمر شاذ فاستشار وأشير عليه أن يزج يوسف في السجن حتى يرى كأنه المعتدى وامرأته شريفة هذا عند العامة، أما الخاصة فتعرف كل شيء وقد سهل اللّه هذا لأن السجن فيه مصلحة ليوسف.


الصفحة التالية
Icon