ج ٢، ص : ٢٠٠
بعد هذه المقالة التي كلفهم بها أخوهم الذي مكث في مصر وبلغوها لأبيهم فلم يصدقهم وقال : بل سولت وزينت لكم أنفسكم أمرا آخر [و كيدا ثانيا] فنفذتموه، ومما يؤيد هذا أنكم لقنتم العزيز شريعتنا التي تحكم بأسر السارق.
فأمرى صبر جميل، وليس لي إلا الرضا بقضاء اللّه وقدره، عسى اللّه أن يأتينى بهم جميعا يوسف وبنيامين والأخ الثالث، إنه هو العليم بحالي وضعفى وحزنى على أولادى الحكيم في كل صنع يصنعه وتولى عنهم وأعرض قائلا : يا أسفا احضرى فهذا أوانك يا أسفى على يوسف الحبيب، وابيضت عيناه من كثرة البكاء، ولا عجب فهو مملوء غيظا يردد حزنه في جوفه.
والحزن على فقد محبوب أمر طبيعي لا حرج فيه ما دام لا يبلغ بصاحبه أن يقول قولا لا يرضى اللّه ورسوله وصدق رسول اللّه :« إنّ العين لتدمع وإنّ القلب ليحزن ولا نقول إلّا ما يرضى ربّنا »
قال أولاد يعقوب الذين حضروا من مصر إلى أبيهم حينما سمعوا أسفه على يوسف وحزنه العميق عليه وعلى إخوته قالوا : تاللّه يا أبت لا تزال تذكر يوسف وقد مضت حوادثه من زمن بعيد لا تزال تذكره حتى تصير مريضا مرضا مشرفا بك على الموت أو تكون من الهالكين!! قال إنما أشكو بثي وحزنى إلى اللّه وحده. لا إلى أحد من خلقه فلا لوم على ولا تثريب، وأنا أعلم من اللّه وأمره مالا تعلمون فأنا أعلم أنهم أحياء يرزقون، وأن اللّه اجتبى يوسف وأتم نعمته عليه وعلى آل يعقوب، وإن كنتم تظنون غير ذلك فأنا يا أولادى أعلم أن رؤيا يوسف حق وستراكم الأيام صدق نظريتى يا أولادى اذهبوا إلى مصر وتعرفوا أخبار يوسف وأخيه حتى تقفوا على جلية أمرهما.
ولا تيأسوا من رحمة اللّه وفضله فإنه لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس إنه لا ييأس من رحمة اللّه وفضله إلا القوم الكافرون، أما المؤمنون حقا فلا تقنطهم المصائب، ولا تزعزعهم الشدائد وهم صابرون راضون بقضاء اللّه وقدره، واثقون من دفاع اللّه عنهم إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا وفي قول القرآن : وابيضت عيناه من الحزن : معجزة أثبتها الطب الحديث إذ الحزن كثيرا ما ينشأ عنه بياض العين بياضا يمنعها من الرؤية.


الصفحة التالية
Icon