ج ٢، ص : ٢١٩
العلم وأنه يعلم ما غاب وما حضر، وأنه يعلم الباطن الذي خفى عن الخلق كما يعلم الظاهر المشاهد، وهو الكبير المتعالي عما يقوله المشركون السفهاء.
وإذا كان المولى يعلم السر والجهر والغيب والشهادة فسواء منكم أيها الناس من أسر القول وحدث به نفسه، ومن جهر به ليسمعه غيره يستوي هذا وذاك فاللّه عالم بكل شيء سواء عنده من هو مستتر في الظلمات، ومن هو ظاهر في الطرقات، من هو مستتر بالليل، ومن هو سارب وذاهب بالنهار على وجه السرعة والوضوح لكل فرد من الظاهر أو المستتر معقبات من الملائكة يتعاقبون على حفظه بالليل والنهار في وقت صلاة الصبح وصلاة العصر يتبادلون الحفظ والرعاية كما ورد في الحديث.
له معقبات من بين يديه ومن خلفه أى من أمامه ومن خلفه، والمراد من كل جهة هؤلاء الملائكة الحفظة يحفظونه من الوحوش والهوام والأخطار لطفا من المولى به وهم يحفظونه بأمر اللّه وإذنه وهذا معنى مِنْ أَمْرِ اللَّهِ فمن في الآية بمعنى الباء، وقيل المعنى : يحفظونه عن أمر اللّه لا عن أمر أنفسهم فهم موكلون به يحفظونه من اللّه أى عن أمره كقوله تعالى : أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ أى عن جوع وقيل المعنى : يحفظونه من اللّه أى من ملائكة العذاب حتى لا تحل بهم عقوبة لان اللّه لا يغير ما بقوم من نعمة وحفظ ورعاية حتى يغيروا ما بأنفسهم من الإيمان والعدل والاستقامة، ولا يظلم ربك أحدا.
نعم لكل إنسان منا حفظة يحفظونه من بأس اللّه وعذابه فإذا أعلم أنه ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد راقب ربه وخشي حسابه فاستقام أمره، وإذا كان اللّه قد جعل للإنسان حفظة يحفظونه بأمر اللّه فكيف يصاب بسوء ؟ نعم يصاب إذا قدر له ذلك فهم يحفظونه من أمر اللّه بمعنى أن ذلك مما أمرهم به لأنهم لا يقدرون أن يدفعوا أمر اللّه.
إن اللّه لا يغير ما بقوم من نعمة وعافية وعز واستقلال حتى يغيروا ما بأنفسهم من الخير والأعمال الصالحة التي ترضى اللّه ورسوله صلّى اللّه عليه وسلّم وتثبت دعائم الدولة.
ولقد أثبت التاريخ الإسلامى صدق هذه النظرية القرآنية فاللّه لم يغير ما كان عند الأمة الإسلامية من عز ورفاهية وعلم واقتصاد حتى غيروا ما بأنفسهم من الخير والأعمال الصالحة التي ترضى اللّه ورسوله، وتثبت ما بأنفسهم حيث حكموا بغير